|
عنزات جدي المدللة
استغلت حب جدي لها ودفاعه عنها فأصبحت تعيش بيننا
رحم الله جدي فقد كان رجلاً حكيماً إذ كان يصر على الاحتفاظ بقطيع من الماعز في منزلنا، بل ويعتز بها ويضعها في مكانة تضاهي مكانتنا نحن لديه وتتفوق عليها أحياناً. وكان يجد متعة لا تضاهيها متعة في النظر لهذه الماعز كل صباح ومساء ويمسح على ظهورها واحدة واحدة. وعندما تلد عنزة فرداً جديداً فذلك يوم السعد لديه ويتهلل وجهه كأن جدتي هي التي ولدت وليس المعزاة. وكتعبير عن حبه لهذا القطيع بنى جدي له حظيرة بالقرب من المدخل الرئيسي للمنزل حتى يؤدي الضيوف فروض الولاء والطاعة للتيوس والعنزات قبل الدخول، وأصدر لنا أوامر صارمة بتنظيفها مرتين كل يوم في الصباح والمساء، فصارت حظيرة خمس نجوم. وكان يا "ويل وسواد ليل" الذي يجرؤ على الاعتداء على قطيع الماعز هذا أو يمارس أساليب "الشقاوة" معها، فستُفرض عليه عقوبات جسدية واقتصادية واجتماعية قاسية، تفوق عقوبات مجلس الأمن الدولي على بعض دول العالم. استغلت الماعز حب جدي لها ودفاعه عنها فأصبحت تعيش بيننا وتجوب كل أنحاء المنزل في سلام وأمان. كان مفروضاً علينا أن نحتملها لعيون جدي أولاً ولأنها كانت تقدم لنا بشكل أساسي اللبن الذي كنا نشربه حليباً خالصاً سائغاً أو نجعله إداماً للخبز أو نضعه في الشاي أو نأكله في شكل جبن وزبدة بعد أن تصنعها لنا جدتي، ولا تخلو مائدة طعام في منزلنا من واحد منها أو أكثر. لم يتلق جدي تعليماً حكومياً ولم ينل شهادة الدكتوراة من جامعة السوربون أو الماجستير من جامعة أكسفورد ولكنه بفطرته السليمة أدرك أهمية خلق توازن بين عدد الأفراد في قطيع أغنامه ومساحة المزرعة الخاصة به حتى لا ينهك الأرض بالزراعة أو يقلل من كمية الغذاء المقدم لكل رأس في القطيع فكان يقلل هذا العدد من حين لآخر وذلك بإهداء بعض من الإناث إلى أصدقائه أو بيعها، أما الذكور فكانت تُذبح، وهو بذلك أول من آمن بمبدإ الدفاع عن حقوق المرأة وله مقولة مأثورة: "الراجل للمقصلة والمرة للمنضرة". يوم الذبح كان عيداً للجميع، إذ بالاضافة إلى تلذذنا بأكل اللحم كانت جدتي تأخذ الشحم وتجعله في شكل كرات صغيرة تجففها لتستخدمها لاحقاًِ في ترطيب البشرة والشعر ويتفوق مفعوله على مفعول "أجعص" الكريمات والشامبوهات والمرطبات التي تمطرنا القنوات الفضائية بدعاياتها ليلاً ونهاراً. بقلم الصادق أحمد |
ثااااااااااااااااااااانكس
|
| الساعة الآن 01:42 PM. |