عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 19-04-2013, 11:36 AM
الصورة الرمزية C O F F E
C O F F E C O F F E غير متصل
سولاريتشا!
 
معلومات إضافية
الانتساب : Jul 2011
رقم العضوية : 102599
المشاركات : 8,882
   الجنس: الجنس: Male
Icon (53) (مميز) تَفآصيُل ما بعَد الغيَابْ/ مِن وحِي الواقِع


"
تَفآصيُل ما بعَد الغيَابْ/ مِن وحِي الواقِع "





إِلَى الصَّديْقَة الِّتي اختارَها شبَحُ الغيَابِ, فخطَفها
بعيْداً خارِجَ أسْوارِ " حدَائِق لِقاءَاتِنا ":


تترآكُم فِي صدرِي تفاصيْلُ الأيَّام, " صخَب شُباط,
رقَّةُ أذآرْ وَخيْباتُ نيْسان ". صديْقتِي الِّتي يجْتاحُنِي
الحُزْن بقوَّةٍ حيَن لا أجِدُها بجانِبي, تغزُوني سهامُ الألِم
والوحَدةِ فِي اللَّحظَاتِ الِّتي تنكِسُر شفقَة لخلَّو أزقةَ الأيَّام مِن طيْفها.

أما آن لكِ الخرُوج مِن هذِه " الصَّومعةِ السَّوداءِ " الِّتي تلَّفكِ بوشاحِ الوحَدة.
أما آن لكِ أن تغادِري عالَم الغيآبِ وتدِعي قصَرهُ المُوِحشَ يلِتُهم ذاَته!

ارحلِي ولكِن ليس إلى الغيَابِ بَل إلى قُلوبٍ يدميْها غيابكِ.
ارحلِي إليْنا بعيْداً عن سكُون ذلِك " العالِم السَّرمدِي ",
اسكُبِي أحزانَكِ وأفراحكِ, أتاراحكِ ومباهجكِ بيَننا.

" فالمرَارَةُ الِّتي نتقاسُمها أطيْبُ مِن تلَك الِّتي نتشاطرُها مَع الوحَدة " .


***



كانَ يُومَها هذا سيَّئاً, الظَّهيرةُ الصَّاخبةُ, وتلوَّن
السَّماءِ بالأصفِر الصَّارِخ بفعِل أشَّعةِ الشَّمسِ الحارَقة,
اعتادَت أن ترفَع بصَرها نحُو السَّماءْ,
لكِنَّ أحداً لن يستطِيع فعل ذلِك, حيَن يجِدُ أنَّ كلَّ ما يُمِكُن أن
تصطِدم بهِ عيناهُ هُو أشَّعةٌ قويَّةً ملَتهِبَة.

أحياناً, كانتْ تقلِّبُ صفحاتِ كتابٍ مَّا!, تشغُل نفسَها بسطُورِة, ريْثما تقطُع المشَوار
الطَويل ذهاباً وإياباً إلى نفِس المكانِ الرَّتيْب كلَّ يُوم.

وأحياناً, أخرى كانت تكُتب وتكْتُب وتكُتب.. كمآ يحدثُ
اليُوم, كيَّفت نفَسها على هجَرةِ الورَق, صحيْحٌ أنَّها تحنُّ إلِيه كثيْراً,
وأن الضَّغط على هاتِفها الصَّغيْر يحرَمها زخرَفة مشاعِرها ويحيْلُ النَّص
حرُوفاً جامَدةً مِن الحرَكاتْ.
إلَّا أنَّها اعتادَت - بطريْقةٍ أو بأخرى - أن تنتِهجَ هذِه
الوسيْلة السَّريعَة فِي التَّعبيْر عن مشاعِرها.

قليْلةٌ جدَّاً, وليَست جيَّدةً هيَ اللَّحظاتِ الِّتي تستلَمُ
فِيها لـ سمَّاعاتٍ تطوَّقُ أذنيَها, وَ
تأخُذها نحُو عوالِم مُتعدَّدة. ترَى فِي مزاجِ محطّاتِ
الإذاعةِ, ثقلاً رهيْباً ينافِي الاسِترخاءَ الّذِي يطلُبه المرَءْ هذِه الأيَّام.
ترَى فِي الأغاِني هوَّةً سحيْقةً تطيْرُ بها كـ غيْمةٍ مزيَّفةٍ
بعيْداً عن أرضِ الواقِع لكَّنها تنفِجرُ كفقَاعةِ صابُونٍ تعيَدها إلى حيثُ كانت!.


إلى " السَّائِق الجامِد " أمَامها, إلى الحوادِث
الكثيَرةِ الِّتي لا يخلُو مِنها شهرٌ وتصادِفُ بعضَها لـ تحمَد الله,
على نجاتِها هذا اليُوم مِن أحدِها.

تعُود بِها " ذاِكرُتها قسْراً " إلى صخبِ,
ما اكتضَّت بِه ساعاتُ يُومِها, إلى الوجُوه الرَّتيْبةِ الِّتي لم تألَفها
حتَّى الآن أو بالأحرَى - وهيَ تعرِفُ ذلِكَ جيَّداً - لنْ
تألَفها أبداً لأنَّها لا تريُد ذلِك!.

إلَى الكثيَر مِن الانشَغالاتِ الِّتي تتزاحُم وتتعارُك بشَّدةٍ
على سرِقةِ ساعاتِ يُومِها, فتقُوم فِي أحيانٍ مَّا بتجاُهلِها,
وتناسِيها لكنَّها غالبَاً تعُود مكرهةً إلى تنفِيذَها.

لكِنَّ " الفرَاغَ الرَّوحِي, وشوائِبَ القلَق وتلَك الغيُوم الرَّماديَة
لـ غيابِ صديْقِتها " كانت أعتَى مِن كلِّ ذلِك.


سيُكمل الفرَاقُ ثلاثَة أشُهرٍ ربَّما, سـ تنحِني أمامَ فترتِه الطَّويْلةِ,
وعوالِم الصَّمِت الِّتي تغرقُ بِها!
إنَّها يآكُل رُوتيَن يُومِها ببُطءْ. يجدِّدُ التسَّاؤُلاتِ
مرّةً بعَد أخرى, يأخُذها بعيْداً عن النَّسيانِ إلى الذَّكريات,
إلى وروُد اللَّقاءَات وصدَى ضحَكاتِ الماضِي.

تتسآءُل كثيْراً, لِمَا كان علَى البُعدِ أن يخلَق
هذا الشَّرَخ العميْق الّذِي يتوسَّع يُوماً بعَد آخر ؟!, لِمَ الفرَاق والبُعد
كـ ينبُوع ألمٍ لآ ينضَب ؟! لِمَ يُؤلِمُ البَشر مَّرةً بعدَ أخرى ؟!.

كان يُرافِقُها كثيْراً الشَّعُور, بأنَّها جُزءٌ مِن " عالِم الابتِعادِ ذآك "
فمثَلما ذاقَت مرَارَة البُعدِ فقَد أذاَقت آخريَن مرارَة برُودةِ اللِّقاءْ.

تنُظر إلى هاتِفها ببرُود, تتذَّكرُ الوجُوه الِّتي تلتقِي بها كلَّ يُوم,
تتذَّكر حضُورها الباهِت بيَنُهم, لطالَمآ آمَنت بأنَّ " الأرواح تتآلَف "
وأنَّ الصَّديْق ليَس مَن يقترُن عُمره بعُمرِها,
أو مكاُن دراسِته بمكانِ دراسِتها!, أو حتَّى رؤَيته كلَّ يُوم!.

كَم مِن الوجُوه الِّتي نراها كلَّ يُومٍ, وتخُفقُ
فِي مُلآقاتِ أرواحِنا !, كَم من الوجُوه الِّتي تضحُك
ببشآشةِ أمامَنا لكَّنها تكشَّرُ عن أنيابِ رُوحها ,
لـ تكِشَف عَدم آنسجامِها مَعنا.

" تسعُ صديْقات " تحبُّ أن تسمِيهنَّ تسَع زميْلآت,
تسَع فتيَاتِ تجلُس مَعُهنَّ ولكِن لَسَن قطَعاً , تسُع صديْقاتَ!
لمْ تكُن يُوماً على هذا القَدرِ مِن الاجِتماعيَّة!,
كانت تكتفِي بصديْقتِين اثنتيَن, ولا يتغيَّر العَددُ لكَّنها
تختارُهما بعنايَة, أعرضَ وأكبُر رقمٍ
قيَّاسي ضربَته كان " خمسَ صديْقاتٍ " لمدَّةٍ سنتيَن!.
لم يجَمعها اللَّقاءُ سوى بواحدةٍ منُهنّ!, قبل عدَّةٍ أشهرٍ
وكان لقاءاً عرضَّياً, حيَّت فِيه صديْقتها وابنَها!!
ثمَّ غادرَت ببرُود اللَّقاءْ وبرُود الودَاع!, كما لُو أنَّهما التقيَا البارحَة!.

لآ تتذَّكرُ سوى " ثلاثْ صديْقاتٍ " تحتفظُ بهنَّ فِي صندوقٍ أثيْرٍ,
رغَم المسافاتْ, - مجدَّداً - والبعُدِ الّذِي
يتدَّخلُ لـ يضَع كلَّ واحدةٍ مِنهنَّ فِي عالْم!,
فبَعد أن أضحت المُكالُمات يُومَّياً, فقَد صآرَت
الآن مرَّتيْن إلى ثلاثْ فِي كلِّ عامْ, وبعَد أن أضحت
اللَّقاءُت أسبُوعيَّة أضحَت بذاتِ عددِ المُكالمِات.

لا تُنكرُ أنَّها تستُطيُع, الوُلوَج إلى عوالِمهنَّ بسهُولَة,
سبَر أغوارِهنَّ وَ مشاركُتهنَّ الأحزانَ والأفراَح
والضَّحكاتِ وربَّما المُغامَراتِ المجُنوَنة!.
لا تنُكرُ أبداً, أنَّ واحدةً مِنهنَّ قَد حصَلت على امتيازِ معرفِة سرِّها الكبيَر!,
" أنَّها تكْتُب " وماذا تكُتب!؟ وربَّما فِي أحيانٍ قليْلةٍ نادرةٍ
بعيدةٍ " لِمَن تكُتب "!

لكَّنها ..

لكنَّها تحمُل هجاءَها الخاصَ, لـ شبحِ الغيابِ الّذِي
ابتلَع " الصَّديقةَ الرَّوحيَة " المُميَّزَة الِّتي تمتلُكها!, أو امتلَكت " صدآقِتها "
حديْثاً!, لمْ تتحامَل يُوماً عليَها, فِهيَ - ولأنَّها قدَ اختارَت البُعد ذاتَ مرَّةٍ - كمآ تختارُه
الآن إزاءَ بعضِ الأشخاصِ, تعرفُ جيَّداً, أنَّ من يختارُه لآ ينعُم بهِ أبداً.

فهُو لعنةٌ, سواءٌ اخترَتها أمِ اختارَتك إلَا أنَّها تبقَى مؤلِمَة, تبَقى مُوجَعةَ.
ابتسَمت بسخريةٍ حيَن أدرَكت عُمقَ الوَجع,
أشاحت بوجِهها عن النَّافذِة وتذَّكرت كـم طوَّقها
النَّدُم وعادَ بها إلى " قفصِ الذَّكرياتِ " مرَّةً بعَد أخرى حيَن
اختارِت الفراقَ - ذاتَ مرَّات - !!


الجميُع يكُتب عن ألمِ أن يُهجره صديْقُ أو يفارِقهُ حبيْبٌ,
ولآ أعنِي بذلِك أن يفصِل بيُنهما المُوت!, ولكِن أعنِي
فرآق الابِتعادَ وطُول الغيابِ, ونُدرَة اللَّقاءِات ورَّبما الأحادِيث!.

لم يجرِّبُ أولئِك الغائِبُون أن يكُتبُوا عَنُهم, وأنَّ الغيابِ
الاختِياريَّ مؤلِم!, بل إنَّه أحياناً مؤلِمٌ أكثَر مِن الغيابِ القسٍريْ, !

مؤلِمٌ .. لأنَّك لا تملِكٌ أحياناً, مبرَّراً أو سبيْلاً للرَّجُوع,
لأنَّ الأوان قد يفُوت أو لأنَّكَ تنسى ببسآطةٍ كيَف
كانت العوَدةُ وكيَف تبدأ اللَّقاءات !!

مؤلٌم .. هو الغيابُ الّذِي يبُعدُك عن عوالِمهم ويضُعك
فِي بوتقةٍ عالمٍ, لا يكُون فِيه سوى طيْفٍ واحدٍ
هو لكَ وليَس لأحدٍ سواك.


***


كان وصُولها إلى المنزلِ, صاخباً, كما تفعلُ عادةً,
تقتُحم المكانَ. تفتَّشُ عن والدِتها!, غالباً ما تكُون
فِي المطبَخ تتعامُل معَها بداعبةٍ, أو ربَّما
بـ سردٍ سريْعٍ لـ أحداثِ الُيوم, وإذا كان
هُناك قصَّةٌ نسائيَّةٌ مثيَرةٌ, فهِيَ .. تسرُد أولَّ جزءٍ
مَنها للتَّشويْق, الِّذِي تمنَحها أمَّها حريَّةَ أن تجعلُه
يتمكَّنُ مِنها, ثمّ تنصَرف لتغتسَل وتعُود لـ تكِمل ما تبَّقى!.

أحياناً, كانت أقداحُ الشَّايِ, ونادراً القهَوة! لأنَّ قهوة
الظَّهيرةِ ليَست قهوةٍ حقيقةً بالنَّسبةِ لها.
ولكِن كان يجبُ أن يُوجد شيءٌ مَا يشاركُهما الحديْث!.

وإن لمُ يكُن طعاماً, فهُو شقيْقُتها الِّتي تقتحُم
المكانَ, وتتسآءُل حتَّى لُو وجدَتهما صامتتيْن عمَّا
كانا يتحدَّثانِ بشأنِه!.

ينِتهي المشُهد الصَّاخبِ, والّذِي يكُون مزيَّفاً أحياناً,
وَ حقيقيَّاً فِي أحيانٍ أخرى, تسُدلُ السَّتائِر,
وتستلمُ لـ موجِة الأفكارِ والهُموم والأفراحِ والأحزانِ
وَ الرَّتابِة والمللِ والشَّكوى وكلِّ المشاعرِ
مرَّةً جديْدَة.. حتَّى يجافِيها النَّوم!.


***


كان المساءُ وقَتها المفضَل, هُو يتغيَّر ويتجدَّدُ وفَق
إيقاعات اليُوم!, يكُون صاخباً إن كان مُفرحاً, مبُكياً إن كان اليُوم كذلك, ساكناً إن
كانت رُوحها كذلِك, معطَّراً بعبِق القهوةِ إن اشتَهتَها.
لا يخلُو مِن الكُتب سواءً أرادت ذلِك أم لمْ تُرِد,
لكَّنه الفترةُ الحقيقَة, الِّتي لا تزيَّفها فِي يُومها كلَّها!.

كثيْرةٌ هيَ المرَّاتُ الِّتي تكتُشف فيها والدُتها, أنَّها كانت
تزيَّفُ ظهيرةً هذا اليُوم, فقَط لأنَّ سوادَ اللَّيل يكشُف قناع الحقيْقةِ دُوماً وأكثَر
مِن مرَّةٍ, يكُون اللَّيُل إيذاناً باندِلاعِ غضِبها,
أو الإفصاِح عن سببِ فرِحها أخيْراً.

كان اللَّيلُ لـ كلِّ شيٍءٍ ولا تدرِي كيَف يتسَّعُ دُوماً لكلِ شيءْ,
لـ المشاعرِ, والشَّخُوص والأفكارِ, وَ الدَّراسةِ وَ النَّوم والأكل.



لكنَّها كانت تدرُك جيَّداُ, أن هذا اللَّيل طويْلٌ بما
يكفِي, لـ " تذَّكرُ الصَّديقةٍ " الغائِبة عن وعِي الحضُور, وَ جمآلِ اللَّقاءَ.
وأنَّ بيَن نجُوم ستارِه الأسوِد, أشرطُة ذكرياتٍ
كثيْرةٍ تحتضُن كلَّ شيءْ.

تعُود بها إلى كلِّ تفصيل, تحكِي لها أكثر ممَّا يقوى
قلمُها على تقييدِه بـ الحرُوف.

في" اللَّيل " يآ صديْقتِي ساعاتٌ طويْلةٌ تتيحُ لِي,
تذَّكرِكِ بما يكفِي لأحمِل تلَك الذَّكرياتِ مَعي طوالَ
يُومي الِّتالي, فِي " النُّجوم الفضَّيةِ "
البرَّاقةِ يتلألأ " الأملُ " بعودِتكِ وانقشَاع
سحابةِ الغيابِ يُوماً مًّا.



تمَّت !

* يُمنَع النَّقل.



- لا أدرِي أتعتبَر قصَّة, أم ثرثَرة!.
لكَّن فِي صباحِي هذا اليُوم ما يخبرِني
بأنَّ عليَّ كتابةَ هذا!.

الموضوع الأصلي : (مميز) تَفآصيُل ما بعَد الغيَابْ/ مِن وحِي الواقِع || الكاتب : C O F F E || المصدر : منتديات أنيدرا



رد مع اقتباس