ركض بسرعة إلى الخارج ، لمحها جالسة في نفس المكان السابق ،وقف يرقبها من بعيد بعد أن سمع ترنيما عذباً .
كانت إليسا تنظر إلى البحيرة بهدوء وهي تترنم بألحان تمر على خاطرها .، كان لحنا غامضا لكنه جميل جداً ، اقترب منها وجلس إلى جانبها بهدوء ، هي بدورها صمتت ونظرت إليه بابتسامة وعينين قلقتين :
- لقد قلقت عليك ، وجدتك نائما بإجهاد على السرير ، هل أنت بخير ؟!
نظر إليها بسرور قائلاً :
- إنني بخير ، لم أمش هكذا منذ مدة !
ضحكت إليسا ووجهت أنظارها نحو البحيرة ، تنهدت ثم قالت :
- مكان ساحر ! ، لا أظن أنني سأمل منه !
- حينما تحس بأنك لن تمل من شيء ! ، تؤكد على أنك ستمل منه باطنياً ، لأنه ما من شيء يبقى كأول مرة تراه !
- لكنك يا سيرفيوس بالمقابل تمتّع بكل ركن فيه ، حدق في الأزهار ، راقب الطيور ، تأمل ألوان الغروب ولون البحيرة الذهبية ! ، صدقني أنك لن تمل منه حينما تسعى لاكتشاف زواياه وتتعمق فيه ! خصوصا أنك ستتركه للعودة إلى بلدك ، هناك ستتمنى العودة إليه مجدداً ..
نظر بتأمل في السماء قائلا بهمس :
- أتمنى أن أعود مجدداً !
صمت الاثنان للحظات ، نظرت إليسا إلى البحيرة وقالت :
- هل لديك أمنية ؟!
تنهد هنا بعمق ووقف متجهاً إلى البحيرة ، لحقت به إليسا وجلست أمام البحيرة معه ، قال :
- أمنيتي أن أظل سعيداً لما بقي من الحياة !
- يا لها من أمنية رائعة .
- ماذا عنكِ ؟!
ابتسمت إليه وقالت :
- أمنيتي أن أجد شخصا يفهمني ، يساعدني للوقوف أمام الصعاب دوماً ، يحبني لأجل روحي التي تسري في عروقي وليس لمجرد مظهري .
أمسك سيرفيوس بيدها مبتسما :
- آمل أن أكون كذلك .
نظرت إليه بسعادة واتكأت على كتفه وبدأت بالتفكير .
السعادة تزداد بوجود المرء إلى جانب من يحب ويطمئن إليه ، هذا هو شعور سيرفيوس و إليسا بعد أن قضيا أسبوعا كاملاً في التجول الريفي ، علاقة إليسا بسيرفيوس تزداد عمقا مع كل خطوة يخطوها الاثنان سوياً ، أصبح كل من هما يهتم للآخر ويحرص على إسعاده بشتى الوسائل .
مع بداية الأسبوع الثاني كان سيرفيوس وحيداً في منزله منتصف الليل ، كان منكبا على الكتابة بكل تركيز ، طرق أحدهم الباب وقال سيرفيوس :
- أدخل .
دخل هنا شخص بقوام طويل وشعر أشقر اللون بقسمات قلقة قائلاً بالفرنسية :
- مرحبا لازاغيوس .
-مايكل ! ، جيد أن أراك في الريف .
- لماذا لم تقم بزيارة الطبيب مؤخراً ؟!
نظر إليه ووقف قائلاً :
- إنني بخير .
- لقد زرت طبيبك وأخبرني ... ... ...
نظر إلى الأرض بحزن شديد ، صمت لازاريوس ثم قال :
- هل أخبرت أحداً بالأمر ؟
- لا ، لكنني لن أترك صديقي هكذا .
- هل تصدق أنني نسيت الأمر كلياً !
نظر إليه مايكل بتعجب ، فتابع قائلا :
- أود أن أقيم احتفالاً بعد غد !
- ماذا ؟! هل جننت !
- لم أعد يائساً ، أود أن أستمتع بكل لحظة يهبها لي ربي .
- هل أنت متأكد ؟!
- نعم ، أود أن تدعوا أصدقاءنا وزملاءنا في العمل .
- ما زلت لا أصدق !
- ساعدني ليكون احتفالاً رائعا ً .
- لك ذلك .
في اليوم التالي وقفت إليسا مندهشة وهي تحدق بسيرفيوس الذي أغلق عينيه وزم شفته بخيلاء ، قالت :
- حفلة راقصة ؟!
- نعم .
فتح عينيه وضحك مسرورا:
- إنه احتفال بك .
- لكنني لم أضع في بالي تحسباً لاحتفال عام .
- سنذهب للتسوق معاً في العاصمة ، اليوم ، لقد رتبت لكل شيء .
نظرت إليه وقد بدت متفاجئة لأبعد الحدود ، رمقها بانتصار :
- إنك متفاجئة !
- لا أجد ما أقول سوى ... ... ...
- دعي الكلام للغد ، هيا استعدي للذهاب إلى العاصمة .
- حسناً .
انطلق الاثنان إلى العاصمة باريس لشراء بعض المستلزمات ، قال سيرفيوس حينما كانا يبحثان عن فستان لإليسا :
- هل تتركين الاختيار علي .
نظرت إليه متعجبة وقالت :
- كما تشاء .
- هل تثقين باختياري ؟
- نعم .. بالتأكيد ..
- تعالي معي .
بعد الانتهاء عادا إلى الريف ، قالت إليسا لسيرفيوس :
- أراك في الغد .
- إلى اللقاء .
- اعتني بنفسك .
دخلت إليسا إلى غرفتها في الفندق مسرورة جداً ، ألقت بنفسها على السرير في نفس عميق جداً ، فتحت مذكرتها الصغيرة وكتبت فيها :
- لا أرغب في ترك الريف ! يا له من حلم جميل !
في مساء اليوم التالي أخذت إليسا بالاستعداد لهذا الاحتفال داخل غرفتها بمنزل لازاريوس ، أسدلت خصلات شعرها المتموج ، وارتدت فستانها الحريري الأحمر ، بدت في غاية الجمال والتأنق ، خرجت من الغرفة وصادف أن لازاريوس خرج للتو ، وقف لرؤية إليسا مدة ، ابتسمت خجلاً ، تقدم نحوها وقبل يدها ، نظر إليها بسرور :
- لنكشف معاً سر الباب الخشبي .
أخذها نحو الباب الخشبي ذي النقوش الذي فتح لهما ، وقفت إليسا تنظر من عند الباب غير مصدقة ، كانت قاعة كبيرة مملوءة اللوح والتحف ، سقفها مزين برسوم ملائكية وقد امتلأت بالمدعوين ، قال لها لازاريوس :
- إنهم أصدقائي ، لندخل .