ذكرياتنا هي لحظات ميتة ، و الحنين هو نداء قلوبنا لهذه اللحظات أملاً في عودتها للحياة
لإزالة كل الأعلانات،
سجل الآن في منتديات أنيدرا
ذكرياتنا الجميلة تستحق الرثاء كما يستحقه الموتى . لأننا و إن كنا ندفن الموتى في التراب و نرثيهم حزنًا على وداع الأشخاص الذين كانوهم بالنسبة لنا و هم أحياء ، فكذلك ندفن ذكرياتنا في أعماقنا و نرثيها حزنًا على وداع اللحظات التي كانت تلك الذكريات عليها و هي على قيد الحياة .. و إن كانت الأرض تأكل جثث أحبتنا و تحكم عليهم بالتلاشي شيئًا فشيئًا حتى لا يبقى منها سوى بقايا متناثرة متباعدة يصعب جمعها لترسم الإنسان التي كانت عليه ذات يوم ، فذاكراتنا تأكل ذكرياتنا و تحكم عليها بالتلاشي أيضًا حتى لا يبقى منها إلا صور و جمل متناثرة يصبح جمعها لرسم اللحظات التي تجسدها أصعب كل يوم ..
قلوبنا مثل الأطفال الصغار ، ربما تمتلك القدرة على فهم العالم إلى حد ما لكن ليس بالكامل . الأطفال حتى سن معينة يمكنهم فهم أن كل الناس ينامون ، لكن ربما لا يستطيعون فهم أن بعض الناس ينامون و لا يستيقظون مرة أخرى . مثل هذا فربما بوسع قلوبنا أن تفهم أن بعض اللحظات انتهت الآن ، لكن ليس بإمكانها معرفة أن هذه اللحظات لن تعود أبدًا .
و ربما يعجز بعض الأطفال عن فهم أن الموتى لا يرجعون للحياة ، فيستمرون في مناداتهم .. و ربما بنفس الشكل تعجز قلوبنا عن فهم أن اللحظات الميتة و التي تحولت إلى ذكريات لن تعود ، و لذلك تستمر قلوبنا في مناداة هذه اللحظات آملة عودتها للحياة ..
و مناداة قلوبنا لذكرياتنا السعيدة تظهر في شعور .. شعور نسميه الحنين ..
يحركني الحنين في هذه اللحظات لأكتب و أرثي ذكرى إنسانة مازالت على قيد الحياة .. لكن لم يتبقى لي منها سوى ذكريات قليلة صارت تتلاشى و تتأكل . و مثل ما نتحدث إلى موتانا و من نفتقدهم لا ليسمعونا و يجيبونا من تحت التراب و لكن لنشعر بأننا أفضل حالاً .. كذلك هي كلماتي التي أكتبها الآن ، لا أكتبها لتصل إليها ، ولكن أكتبها لأشعر بأني أفضل حالاً.. و أرثى ذكراها بذكر محاسنها و صفاتها .. و بأن أشهد لها بما عرفت عنها و رأيت فيها :
كانت إنسانة يتمنى الشخص أن تشاركه كل حياته ، و تقاسمه قبره و لحده ، و تكون بجواره في الجنة إن وصل إليها .... إنسانة تتحلى بمرح و شقاوة و براءة الأطفال ، و بفهم و حكمة و فطنة العجائز ... إنسانة تضيء حياة المرء بهدوء و رقة القمر في ليلة اكتماله ، و تعطيه الدفء بحنو الشمس في أيام الشتاء قارصة البرودة ...
إنسانة إن تحدثت إلى الشخص حرّكت مشاعره و أفكاره ، و إن سكتت يظل الشخص يشعر بدفء و قوة وجودها و حضورها جواره ... إنسانة إن تحدثتَ اليها أشعرتك أنك تحدث مخلوقة ذكية حساسة ، و إن صمتَ بجوارها احترمت صمتك و تفكيرك ... إنسانة كانت نعومتها تعادل خشونتي ، و خيالها الجامح يعادل واقعيتي الشديدة ، و تفاؤلها المفرط يعادل تشاؤمي السوداوي ، و طفولة تصرفاتها تعادل كهولة تصرفاتي ، و عاطفيتها و انفعاليتها تعادل برودي و عقلانيتي ...
إنسانة لو كان بوسعي إعادة حياتي من جديد ، لأخترت أن أكون بجوارها في كل مرة
الموضوع الأصلي :
ذكرياتنا هي لحظات ميتة ، و الحنين هو نداء قلوبنا لهذه اللحظات أملاً في عودتها للحياة || الكاتب :
Mr_Misery || المصدر :
منتديات أنيدرا