صدر صرير قوي من صالة الألعاب ذلك اليوم في مدرسة الأشبال ، و داخل القاعة تعلقت كل العيون بالكرة و لاحقتها في إصرار و هي تمر بين أرجل اللاعبين و أطراف أصابعهم ، و اختطف (يـوسـف) الكرة من (هـانـي) و تفادي اللاعبين في مهارة و قفز ليسجل هدفًا ، و فجأة أوقفته يد (شـوقـي) الذي أسرع في الدفاع عن سلة فريقه و دفع الكرة من بين أصابع (يـوسـف) لتسقط على الكرة ، و قبل كل شيء ... اندفعت صافرة المدرب لتعلن نهاية المباراة . اقترب المدرب من (يـوسـف) و أشار إليه بسبابته و هو يؤنبه قائلاً: - لم تكن جيدًا أبدًا ، هذا ليس مستواك المألوف لديّ يا (يـوسـف) ، من الأفضل أن تبلي بلاءًا حسنًا في المرة القادمة ، و إلا لن يكون لك مكان في صفوف الفريق هذا العام ! و من المدرجات ، صاحت (هـدى) بدهشة : - هاه ! هذا ليس مستوى (يـوسـف) أبدًا ! لم يتمكن من تسجيل هدف واحد طوال ساعة كاملة ، و أيضًا سمح لـ(شـوقـي) بأن يصد معظم كراته ، و هذا ما لم يكن يحدث أبدًا من قبل! هزت (رزان) رأسها و قالت في ضجر : - أنا لا أهتم بكرة السلة هذه و لا أفهم فيها شيئًا ! التفتت (منى) في هذه اللحظة و قالت : - و لكنه يبدو متعبًا جدًا ! ألا تلاحظون ذلك؟! يبدو انه لم ينم منذ فترة ! تنبهت (رزان) في تلك اللحظة ، و ركزت ناظريها على (يـوسـف) الذي أخذ يهز رأسه في قوة و يبدو متعبًا و نادمًا في نفس الوقت ، و تمتمت بخفوت : - يا إلهي ! أيمكن ... لم تكمل جملتها ، بل أسرعت تشق الزحام لتصل إلى الدرج و تجاهلت صيحة (هـدى) المتسائلة . التفت (يـوسـف) إلى (شـوقـي) و حياه بطريقة مرنة : - مرحبًا ببطلنا القادم ! لقد أحسنت اليوم في صد كراتي ! ابتسم (شـوقـي) و هز رأسه قائلاً: - أنت مالم تكن على ما يرام يا صديقي ، لديك مشكلة و يجب عليك حلها ... ثم مال على إذنه و همس قائلاً : - و إلا ستجد نفسك خارج هذه القاعة الرياضية ، صدقني يا صديقي ، المدرب (حلمي) لا يحب من لديهم متاعب غير الفوز ! فرد (يـوسـف) ذراعيه و قال : - لا أستطيع أن أوافقه في هذه النقطة ، و لكن ، سأعمل بنصيحتك ! شكرًا لك ! اقتربت (رزان) في تلك اللحظة منهما ، و حيت (شـوقـي) بإعجاب و قالت : - لقد قهرته ، أنت الأفضل ! ابتسم (شـوقـي) و لوح مودعاً ، بينما التفت (يـوسـف) إلى (رزان) و قال : - إذن ، تسخرين مني و تحيين من استطاع قهري! أهذا ما أنزلكِ إلى القاعة مبكرًا قبل موعد فريقك ؟! دارت (رزان) بعينيها في القاعة ثم قالت بهدوء : - أولاً ، أنا لست في الفريق و لن أكون ، أنا لست جيدة في كرة السلة رغم طولي ! و ثانيًا، أنت تبدو شارد الذهن و الجميع يلاحظ ذلك بالفعل و لست أنا وحدي ، و كنت أتساءل إذا ما كان سببها ما حصل لأقاربك ! ابتسم (يـوسـف) ابتسامة شاحبة سرعان ما اختفت و سار بجانبها و هو يقول : - لا أعلم ما الذي يمكنني فعله لإبطال فضولكِ ؟! - أجبني بصراحة . - حسنًا ، في الحقيقة ، أجل ، أنتِ فقط لا تعرفين كم يكلفني ذلك ، أعني ، والدي – كما تعلمين – رجل أعمال و له عدد من المجادلات السياسية التي أدخلته – بدون سابق إنذار- إلى عالم السياسة و كتابات الصحافة ، و خبر مثل خبر إلقاء القبض على أعمامي، لن يثيره فقط ، بل سيثير الصحافة أيضًا و الرأي العام و قد تحدث ضجة كبيرة ! - أنت فقط تستبق الأمور يا (يـوسـف) ، ثم كيف سيعلم والدك بما حصل ؟ هل أخبرته ؟ - عن نفسي ، لا ! و لكنني متأكد من أن أمي قد أخبرته . - أنا آسفة يا (يـوسـف) ، أنت تعلم ، إنه إذا كان الأمر بيدي ، ما كنت سأتصل بالشرطة و أكتفي بحل اللغز فقط ، و لكنهم هم من اتصلوا بالشرطة ليوقعونا في فخ ، و لكن فخهم انقلب عليهم ! ابتسم (يـوسـف) و قال بتهكم : - من حفر حفرة لأخيه .. وقع فيها ! ابتسمت (رزان) بدورها و قالت بتهكم أيضًا : - و لكن تلك الحفرة التي وقعوا فيها ، كانت أسوأ مما تصوروه بكثير ! اقترب في تلك اللحظة (هـانـي) و ربت على كتف (يـوسـف) و قال : - إذن ، حظًا أوفر المرة القادمة يا صديقي ! رد (يـوسـف): - لا أحتاج لمواساتك ، لقد خطفت منك الكرة ! - لكنك فشلت في التسديد و هذا هو الفارق ! نظر (يـوسـف) إليه في صمت حانق ثم زفر و أشاح بوجهه ، فابتسمت (رزان) بهدوء و قالت: - حسنًا ، إنها مجرد لعبة و ليست نهاية العالم ! ضحك (هـانـي) و قال : - أنتِ تقولين ذلك فقط لأنكِ لا تجيدين لعبها ! - أنا لا ... لم تكمل (رزان) جملتها ؛ فقد تعلقت (هـدى) برقبتها و قالت : - إذن ، هل عرفتِ لمَ كان (يـوسـف) شارد الذهن ؟ لا تقلق يا عزيزي ، فالمفتش (عبد الرحمن) – عمي- يتابع قضية أعمامك عن كثب ، و سيخبرنا بالنتائج أولاً بأول ! عاد (يـوسـف) يبتسم ابتسامة شاحبة و قال ممتنًا : - شكرًا لكِ يا (هـدى) ! و قبل أن يتبادل الفريق أي كلمة ، انطلقت صافرة المدرب (حلمي) من جديد ، لتفرقهم مجددًا ! * * * أشارت عقارب الساعة إلى الثالثة عندما كان أصدقاؤنا يغادرون المدرسة و متخذين طريقهم إلى المنزل عن طريق الشارع الرئيسي الذي يسلكونه فقط من أجل التمتع بمشاهدة الأشجار و الحدائق على جانبيه ، و قد أخذت (هـدى) تتحدث عن مغامرتها في كيفية الهروب من حصة الرياضيات عن طريق ادعائها نسيان حاجياتها في دولابها الخاص و كيف خرجت لتحضرها ثم وقعت في طريقها و هي تصرخ من ألم في معدتها ، صاحت (رزان) في خبث : - لابد انكِ تناولتِ إفطارًا دسمًا ! ردت (هـدى) : - أوه ! صدقيني يا عزيزتي ، لقد كان خفيفًا جدًا ، فأنا أتبع حمية دائمة ضحك (هـانـي) قائلاً : - لا تصدقيها يا (رزان) ، إنها فقط تقول ذلك لتتحجج بألم معدتها . تبرمت (هـدى) قائلة : - أوه ! كيف تقول ذلك عن أختك الحبيبة يا (هـانـي)!؟ ضحك الجميع ضحكة صافية ، و لكن شاء القدر أن يتعكر ذلك الصفاء ؛ فقد سمعوا صوت إطلاق رصاص و صراخ و جلبة قادمة من الحديقة ، فاتجهوا يسارًا حيث مصدر الصوت ، و حين وصلوا ، كانت أمامهم مفاجأة كبرى !
كان أصدقاؤنا يواجهون مشهدًا غريبًا و مثيرًا جدًا .. فقد سمعوا صوت إطلاق الرصاص ثم ركضوا باتجاه ذلك الصوت ، و دخلوا إلى الحديقة ، ليروا فقط جثة هامدة لشاب صغير ، و حين اقتربوا منه ... علت الدهشة و الاصفرار وجوههم جميعًًا و أُلجمت ألسنتهم تمامًا لمدة تزيد عن الدقيقة ... و بعدها أفاقوا من دهشتهم على صرخة (هـدى) الملتاعة ، و هتفت (رزان) غير مصدقة :
- مستحيل ! مستحيل تمامًا !
بينما عقد (هـانـي) حاجبيه و تمتم قائلاً :
- معقول ؟!!
بينما أسرع (يـوسـف) إلى أقرب هاتف ، و اتصل بالشرطة و الإسعاف ، حين صاحت (رزان) :
- لا فائدة ! لقد مات !
ثم انهمرت دموعها في صمت !
* * *
الاسم \ شـوقـي أحمد عبد السلام .
السن \ خمسة عشر عامًا .
المهنة \ طالب في المرحلة الإعدادية .
ساعة الوفاة \ الثالثة بعد منتصف النهار .
قرأ المفتش هذه الورقة للمرة الثالثة على الأقل ، ثم التفت إلى أصدقائنا و قال :
- هل أنتم على صلة بهذا القتيل ؟
أومأت (رزان) بهدوء و قالت :
- نعم ، إنه زميلنا في المدرسة ، و قد كان يلعب معنا كرة السلة ، صباح اليوم !
أومأ المفتش برأسه ثم سأل قائلاً :
- هل تعرفون شخصًا ما من المحتمل أن يكون آخر شخص رآه على قيد الحياة ؟
هز (يـوسـف) رأسه نفيًا و قال :
- لقد غادر أغلب طلاب الصف الثاني الإعدادي في الساعة الواحدة اليوم ، و ربما قد غادر معهم !
سأله المفتش :
- و لماذا غادرتم أنتم في الساعة الثالثة ؟
صاحت (هـدى):
- مهلاً ! هل تشك فينا يا حضرة المفتش ؟
تجاهلتها (رزان) و هي تجيب :
- لقد كنا ندرس في المكتبة ، و لدينا أكثر من عشرة طلاب يمكنهم تأكيد ذلك بالإضافة إلى اثنين من المعلمين !
هز المفتش رأسه و قال :
- إذن ، فقد كنتم في مدرستكم حتى الثالثة ، و حينما غادرتموها سمعتم صوت إطلاق الرصاص فركضتم لتجدوا زميلكم ميتًا !
أومأ (يـوسـف) موافقًا :
- بالضبط.
أخذ المفتش يراجع تفاصيل ملاحظاته ، و التفتت (رزان) إلى (هـدى) و همست قائلة:
- هل يمكن أن يدعنا عمكِ المفتش نشترك في حل القضية ؟
- ماذا ؟!
- أجل ، إنه زميلنا ، و على الأقل يجب أن نرد له الجميل و نمسك على قاتله !
- و لكن تبدو القضية خطيرة و ربما لن يرضى عمي بأن نتولاها .
- لن نتولاها بمفردنا ، فقط سنتابع معهم ، يطلعونا على المستجدات و نفكر فيها و نساعدهم على الوصول إلى حل .
عقدت (هـدى) حاجبيها مفكرة ثم همست بدورها:
- حسنًا ، سأتحدث معه و إن كنت متأكدة من رفضه .
تدخل (هـانـي) في هذه المحادثة الهامسة و قال :
- سأساندكِ يا (رزان) و سأحاول أن أقنع عمي بذلك أيضًا .
صاحت (رزان) ممتنة:
- شكرًا لك !
كان (يـوسـف) يستمع إلى هذه المحادثة دون أن يشترك فيها ، و لكنه قال :
- حسنًا ، حتى تذهبان لإقناع عمكما ، سنحاول الحصول على بعض المعلومات من هنا لكي نبدأ بها .
ثم اقترب من المفتش و قال :
- هل كان دافع القتل هو السرقة ؟!
حك المفتش ذقنه بيده و أخذ يفكر طويلاً ثم قال بهدوء :
- ربما ، فنحن لم نجد مالاً في محفظة ذلك الفتى ، و لكن الفحص الأولي للجثة ، يؤكد بأنه لم توجد منه مقاومة ما ، فهل كان السارق مألوفًا له ؟ و إذا كان السارق مألوفًا له ، فلماذا أطلق عليه الرصاص ؟ ألم يكن من السهل أن يفقده الوعي ثم يسرقه ؟
كان (يـوسـف) متابعًا لكل كلمة تخرج من فم المفتش ، حتى انه سأله مباشرة بعد انتهاءه من الحديث :
- و من يمكنه أن يمتلك ترخيص لمسدس في بلد مثل مصر ؟ بالطبع ، ذلك ليس سهلاً ، أليس كذلك ؟
- صحيح يا فتى ،ذلك ممنوع و لكننا سنعمل على إخراج الرصاصة و مطابقتها بسجلاتنا و قد تدلنا على الفاعل .
- هذا جيد ، ابذلوا جهدكم !
- شكرًا لك يا فتى !
* * *
لم ينتهي الفصل الثاني بعد ،، تابعونا الأسبوع المقبل لمزيد من الأحداث المثيرة