ليْتَ الأيَّامَ فقَط, تتجآهُل كُلَّ هذآ الألَم
{ وَ تضَعُنآ علَى عتبآتِ السَّعادَة }
هكَذآ بـ بسآطَةِ , بدآيَةِ حكآيَتِنآ,
ليْتَهآ تفْعَل !
{ وَ تتْرُكَنا نرْتَـاحْ }
" آلفَصْلُ الثَّالِثُ وَ العِشْرُوَن : آلشَّخصُ الّذِي أيْقَظ مشآعرِي ! "
- إذَن, هَل هُوَ بخيْر ؟!
قآلَها صُوتٌ كآنَ قَد أغلَق البآبَ خلْفَهُ للتَّو يتْبُع المُمرٍضَة الٍّتي
وقَفتْ أمآمُه بـ وجْهٍ لطيْفٍ وآبتسامَةٍ مُريْحَة :
- أجَل, حآلتُه مُستقِّرَهـ !, عليْهِ ألَّا يُغادِر
السَّريْر , الجرُح لآ يِجبُ أن يتعرَّض للماءِ حتَّى يُشْفَى تمامَاً,
كمآ أنَّ التَّغذِيَة ضرُوريَّةٌ وَ تنآوُل الأدويَةِ فِي وقْتِها .
تنهَّد آيريْك أخيْراً, وردَّد بآبْتسامةِ رضَا :
- شُكراً لكِ, بإمْكانكِ الّذَهاب لـ النَّومِ الآن!
قآلَها لـ تِجدَ فيْها المُمرِّضَةُ إذْناً بالانصِرآفِ بيْنمَا
كآنَت بالنِّسْبَةِ لهُ فُرصةً لـ يقْتِحمَ غُرفَة
جُورْدآن ويْنِدفَع إلَى صَاحِب الوَجْهِ
المُتعَبِ والّذِي كآنَ غارِقاً بيْنَ اليقَظِة وَ النَّوم,
بيْنَ الألَمِ وسكُونِ الإطْمئنانِ الّذِي غزآهـ أخيْراً..
كآنَ ذلِك جُورْدان لَم يرَهُـ آيريْك
مِن قَبْل, وجَلٌ وضْعفٌ ولآ كبِريآءْ !
مآذَا حصَل ؟!
أتُوق لـ أعرِف القصَّة ؟!
آلتَفت إليْهِ جُورْدآن كَمن لآحَظ وقُوفَه الصّآمِت للتَّو :
- مآبِك ؟!
جلَس آيريْك إلَى جوارِ أخيْهِ, علَى أريْكةٍ
صغيْرةِ سمَحت لهُ بـ ترْدِيد عبارَتهِ بنبْرَةٍ هادِئَة :
- تقُول المُمرِّضَةُ أنَّ عليْكَ ألَّا تُغادِرَ السَّريْر,
كمآ شدَّدَت علَى وجُوب تنآولُ الطَّعامِ والأدويَةِ بآنتِظامْ !
ولآ تسِتحمَّ حتَّى يُشَفَى جُرْحُكَ تمامَاً.
ابتسَم جُورْدآن بـ شحُوبٍ محُاولاً آستجدَاءْ سُخريَتِه
الدّآئِمَة, وهُوَ يُحدِّقُ فِي السَّقْف :
- هه .. هَل صِرْتُ طفْلاً الآن ؟!
وآلتَفت إلَى النَّاحِيَةِ الأُخرى مُشيْحاً بوجْهِه وقَد أغمَض
عيْنيِه بآنْزعاجٍ كـآن يعْرِفُ آيريْك أنُّه
ألَمُ المُخدِّر الّذِي يسْتُوعب الآخيْرُ زوالُ آثرِهـ تدريجيَّاً !
ما دَفعَ آيريْك ليُجارِي سُخريَتُه بـ أُخرَى :
- لآ ! بَل صِرْتَ شخْصاً مُصابَاً,
يحْتاجُ لـ عشاءٍ دسِم !, وسيأتِي بعْدَ دقائِق !.
كآنَت كلِماتُ الاعْترٍاضِ تخْتِنقُ بدآخلِ جُورْدآن لُولآ ألآمَهُ
وَ قوآهُـ الخآئِرَة الَّتِي ألزَمْتُه الانصِيآعَ لـ آيريْك وَ مُلآزَمتهِ لهُ وتنآوُلِ
العشآءِ مَعهُ وَ الإشرآفِ عَلى إحضآرِ كمٍّ الأدويَةِ
إلَى طآولَةٍ صغيْرَةٍ آتَّخذَت مكانَها فُوقَ سريْرِهـ .
فِي أمسيَةٍ كآنَ آيريْك يُجاهِدُ نفْسَهُ فيْهآ علَى عَدمِ
البُوحِ بكُلٍّ سُؤآلٍ تطِرَحهُ عليْهِ ذاتُه عمَّآ حَدثْ !.
***
بعْدَ مرُورِ يُوميْنِ, وفِي ليْلَةٍ كآنَ السُّكونُ
فيْهآ يُعمُّ غُرفةً المكْتَبِ الجميْلةَ
الِّتي آستلَقى فُوقَها جسَدٌ رمآهُـ التَّعُب هُنآك !,
آنَ لِـ آلفرِيد أنْ يفْتَح عينيِه ببُطءِ
نآظِراً إلَى سقْفٍ داكنٍ فُوقَهُ جرّآءَ الإضآءِة
الصّفرآءِ الخآفِتةٍ خلْفَه علَى طآولةٍ بُنيَّةٍ
آنسَجمَت مَع زُرقَةِ أريْكَتِه بطريْقةٍ مَّـآ !
كآنَ الجُوُّ دافِئاً أو بـ الأحرَى كآنَ إحْساساً دافِئاً غَمر آلفريْد,
حيْنَ أحسَّ بـ يدٍ تُمسِّدُ علَى جبيْنهِ منشْفةً غُمرَت بمآءٍ فآتِر !
ولِكن وَ رُغمَ ذلِكَ الإحساسِ بالرّاحةِ إلَّا
أنَّ وجُودَ الغِطآءِ الدّآفِيءْ وأنفآسَ شخْصِ
هاديءِ بجآنبِ آلفريْد ! كآنَ أمراً آسْتدَعى مِنهُ أنْ يفَتح عيْنيِه
فجأةً ويثِب جالسِاً فُوقَ تلِكَ الأريْكَةِ وقَد أسْقَط
المنشفَة فُوقَ كفِّه الِّتي ضُمدِّتْ بـ عنآيةِ لـ يلْتفِتَ أخيْراً
نُحَو شخِصٍ كآنَ جاثِياً علَى رُكبَتِيه فُوقَ السَّجادِة الملوَّنةِ بجانبِه,
كآنَت ترِتدِي معْطفاً مِن القُطِن بلُونٍ أزرَقٍ
داكِنٍ وَ قمِيصٍ أبيَضٍ وبنطآل مِن الجيْنزِ وقَد
رفَعت خُصلاً مِن شعرِهآ بملْقطٍ أسْوَد.
كآنَت هادِئةً تماماً بَل أقرَب للإطِمئنانِ بـ أنَّ آلفريْد
فتَح عيْنيِه أخيْراً وقَد ردَّدَت بعْدَ أنْ تنهدَّت بـ عُمق :
- حمْداً للهِ على سلآمتِك سيِّد آلفريْد,
آسِفةٌ لأنَّنِي فآجئْتُكَ هكذَا !
لكِنَّ آلفريْد حدَّق بِهآ لوهْلةٍ لـ يسْتُوعِبَ وجُودَهآ,
ونطَق حرُوفَ آسْمِها بـ بُطءْ :
- مـآرِسـِيْـل !
وقَفت مآرسِيل أخيِراً, وردَّدَت حيْنَ
آسْتوَعبتْ أنَّ مُحدِّثَها لآ يتذَّكرُ السَّاعاتِ القليْلَةِ الماضِيَة :
- أتيْتُ اليُومَ فِي المُوعِد المُحدِّدِ للدَّرِسْ .. أعنِي لأنَّهُ
الاثْنيَن ونحْنُ آتَّفَقنا علَى ذلِكَ مُسْبقاً !, لكِنَّنِي وجّدُتَك فآقِداً للوَعِي
وحيْنَ حآولُت تفّقُدَ نبْضِكَ تبيَّن لِي أنَّك واعٍ قليْلاً ! قُلت لكَ أنَّنِي سـ آتصِّلُ
بـ الإسعافِ لكِنَّك مَنْعتَنِي, وقُلتَ بأنَّها الحُمَّى فقَط ! ..
ظلَلْتَ تهْذِي وتقُول أنَّ عليْكَ الرَّاحَة فقَط !,
فـ سآعدُّتك لـ تذْهَب لتلِكَ الأريْكَة !
وفِي النِّهايَة أنْت نِمْت !
كآنَت تقُول ذلِكَ بنبْرَةِ بطيْئةٍ مُطمئّنَةٍ وهآدِئَة,
مآ سمَح لـ شريْطُ ذكرياتِ آلفرِيد أنْ يدُورَ إلَى أبعَد ممَّا ذَكرَتُه مآرسِيل,
فـ حيْنَ آستيْقظَ بعْدَ عُودتِه مِن تلْكَ المُغامرَةِ
المجْنُونَةِ رآح يُضمِّدُ جرآحُه
وكدَماتٍ خلَّفَت أثآرَها علَى جسَدِهـ وآنطلَق
يعْملُ فِي المرْكَزِ علَى قضّيَةِ
جيْمسٍ وعصآبتِه ويُحآولُ جرَّهُم إلَى الاعِترافِ بدليْلٍ يقُود إلَى
[ تجارِة جُورْدآن بالممْنُوعات ]
ولكِنّ ذلِك كَآن قَد آنتهَى إلَّا مآ يْنتِهي عليْهِ دُوماً,
أقوُالٌ بلآ أدلَةٍ وسآحةٌ آسْم وآنسفِيد
كآنَت قَد خآليةٍ مِن أيِّ شَيءْ !
لآ دليْل ..
تذَّكر أنَّهُ غِضَب ورآح فِي سهَرٍ لـ يُوميْنِ مُتتآليْين يجُرُّ دليْلاً,
ورآءَ آخرَ بيْنمآ أبَقى جيْمسِ ورجآلهُ علَى أقوآلِهم
مُندِّديَن بحظِّهُم العاثِر
إذْ يسْقُط الضَّعيْفُ ويبْقَى القُويُّ
فآحِشُ الثٍّراءِ والسُّلْطَةِ آمِناً !
لَم تشْفَع لُه أكوآبُ القهْوَةِ, ولآ آمتِناعُه عَن الطّعآمِ بآستِثنآءِ
شطيرَةِ الجُبنِ عَن الإصابةِ بالحُمَّى والإرْهاقِ الشَّديْدِ
حسْبمآ يبْدُو الآن !
فهآ هُوَ خائِرُ القوَى آنهارَ أخيْراً فِي لحْظَةِ دخُولِه
إلَى مكتبَهُ بحْثاً عَن ورقَةٍ نسِيَها الآن !.
آسْتيقَظ آلفريْد فجأةً مِن تأثيْرِ سُحبِ ذكرياتِه الغآئِمَةِ,
لـ يعُود للعآلَمِ الهآديءْ السَّاكِن مِن حُولِه ..
حيْنَ ردَّدَت مارسيْل وهِيَ تمْضِي نحُوَ
طآولَةٍ مكْتبِه وتسْحُب عُلَب الطَّعامِ مِن هُنآك :
- طلَبْتُ لكَ طعآمَ العشآءِ !
ومضَت نحُوَهـ مُقرِّبةَ طآولَةً كانَت خلْفَهُ لتكُون إلَى جانبِه الآن,
ووضَعت فُوقَها الأطبآقَ وشرابَاً دافِئاً
ثُمَّ آبتسمَت مُردِّدَةً وقَد آنهمَكت فِي
فتْحِ أغطَيةِ العُلَب البلآستيكيَّة :
- تفضَّل!, أرجُوا أنْ يرُوقَ لكَ الطَّعامُ الصّيني
كآنَ آلفريْد مغْمُوراً بدهْشةٍ كبيْرةٍ وهُوَ يتأمَّلُ مارسيْل .. !
لَم يدرِ مآذَا يقُول ؟!, لكِنّه ترَك الكلِماتِ تنْسآبُ بتلقآئيَّةٍ هذِه المرَّة :
- شُكراً لكِ, يبْدُو أنَّنِي سببًّتُ الكثيْرَ مِن الإزْعاجِ,
أنآ حقاً آعتِذرْ !, آسٍفٌ جِدَّاً !
رفَعت رأسَها وتأمَّلت لوهلةٍ الشَّخصَ الّذِي كآنَ
يُلِقي بهذِه الكلِماتِ بصدْق, كسآهَا ارْتباكٌ مِن هَذا الشُّكرِ والاعِتِذارِ :
- آهـ .. لآ عليْك !
ثُمَّ وجَّهَت نظرَهآ إلَى عيْدَانِ الطَّعامِ فِي يميْنِهآ :
- تفضَّل !
وقآلَتها بعْدَ أن مدَّتَها لهُ !,
بيْنمَا سحَبهآ مُبْتسماً :
- شُكراً لكِ
وقَفت حيْنَ همَّ بتنآولِ طعآمِه بعْدَ أنْ جلَس
باعِتدالٍ و قآلَت بآبتسامةٍ شحُوبَها ليْسَ بسَببِ التَّعِب :
- حَسناً إذَن, أنـآ .. سـ أذْهُب الآن!,
آهتمَّ بنفْسكَ سيِّد آلفريْد !
ومضَت إلَى المكْتَبِ لتلْتقِطَ حقيْبَتها,
وَ آلةَ تصويرٍ آلْقَت بِهآ هُنآك !
لكِنَّ صُوتاً جمَّدَها فِي مكاِنها ردَّد :
- مآرسْيل ؟!
لَم تلْتفِت لكِنَّها شَعرَت بـ وقُوفِ آلفريْد ومُضيِّه نحُوَهآ,
لـ تُدرِكَ أنَّ عليْها أنْ تنْظُرَ إليهِ آلآن و تتسآئِل :
- مآذَا !؟
لَم يكُن آلفريْد يمْلِكُ مآ يقُول حقيْقةً, بَل كان يتمْلِكُ نْظرَةً
مُمتنَّةً تحْملُ مشآعِر صآدِقةٍ قَد تلألأتْ
مُجليَّةً جمآلَ عيْنيِه الزَّرْقاوَتانِ تحْتَ
هِذا الضَّوءِ الخافِت, كآنَ قَد وقَف مُقآبِلهآ
وهُوَ يبْحُث عَن جُملةٍ
بدآ لِـهُ حجْمُ ضياعِها بُمجرِّد آلتفاتِة مارِسِيل ليُردِّدَ
أخيْراً بعْدَ أنَّ تنهَّد بـ عُمق :
- أنآ, آعتِذرُ مُجّدَداً لَم أقِصد إقلآقكِ .. ولَم يكُن
عليَّ أنْ آتِي وأنآ بهذِه الحالْ, شُكراً لكِ علَى مُساعَدتِّي
كاَن ذلِكَ أمراً مُرهِقاً
ولأنَّ مارسِيل غآصَت بـ أكْثَر ممَّا فيْهِ الكفآيةُ في عينيَّ
آلفريْد ونبْرَتِه تلْكَ فقَد أنكسَت رأسَها ونفَت ذلِكَ بقُولِها :
- لآ لآ عليْكَ, أنآ سعيْدةٌ أنَّك بخيْرٍ بعْدَ كُلِّ شَـيءْ,
ثُمَّ إنَّنِي لَم أفْعَل شيْئاً سـَوى .. !
قَطع آنِدفاَعها المُرْتبِكَ نبْرةٌ هادِئةٌ عميْقةٌ مِن
آلفريْد الّذِي آحتضَن كفَّها مُردِّداً :
- لكِنَّكِ فعَلْتِ !وَ أنآ ...!
عمَّ صمْتُ تلْكَ اللَّحَظَة, حآوَلت فِيه مآرسِيل
أن تسْتَشِفَّ مآ خلْفَ تلِكَ الـ [ أنَآ ]!,
أنْ تبَحث عَن سبِب كفِّهآ المُتشآبِكَةِ بـ كفِّ آلفرِيد,
عنَ سَببِ نَظرآتِهمآ ويدُهـ آلَّتِي
لآمسَت وُجَنتهآ بلُطْف, لكِنَّ تلْكَ اللَّحْظَة آنقَطَعتْ
فيْمَا يُشبِهُ عُودَة آلفريْدِ
إلَى وعيِه إذْ سَحب يدَيهِ وردّدَ فجأةً :
- آنا آسِفٌ, لَم ..!
- عليَّ الذَهابْ, وداعاً !
آختَتْمَت بِهآ مارسيْل هذَا الحِوارَ حيْنَ تدَّفَقت
مشاعِرُها المُختلِطَةُ إلَى وجُنتَيْها ومضَت نحُوَ
البآبِ بخُطواتٍ واسعِةٍ سريْعةٍ
لـ فتاةٍ مُشوَّشةِ الفكْرِ ليْسَت بأقَّل حآلاً مِن
فُوضويَّةِ عآثَت فِي نفْس
آلفريْد وكأنُّه كآنَ ينْقُصهُ مِثُلهآ فِي غمْرةِ مآ يحْدُث !
كآن الجُمود سيِّد المُوقِف حيْنَ كسَى ذلِكَ آلفريْد
وهُوَ يقِفُ صامِتاً يتأمَّلُ الفرآغَ كأنُّه يجْعلُ مِنهُ حائِطاً لـ رسْمِ
صُورةٍ لمآ حَدث للتَّوْ!.
فقَد كآنَت تلِكَ المرَّةَ الأُولَى لـ آلفريْدِ
والَّتِي يجِدُ فيْها شخْصاً بجانبِه أثنآءَ مرضَهِ, منذُ أنْ كآنَ
طِفلاً فِي العاشِرَة !,
أجَل فذآكِرةٌ آلفريْد خاليَةُ مِن مثْلِ هكَذا مُوقفٍ
منذُ عشْرِ سنوآتْ !
فـ آخِرُ صُورةٍ تترآءَى لهُ هُوَ مرضُه علَى قطَعةِ قُماشٍ مُمزَّقةٍ
فِي بنآءِ مهْجُورِ مُظلِم تْحَت جوٍّ باردٍ عاصِفٍ
لَم يمْنَع يديَّ ريُو المُرتجِفةٍ إثَر
إيْثارِهـ المعْطفَ الوحيْدَ لديْهِ لـ آلفريْد منْ وَ
ضَعُ منشْفةً شبيْهةً بهذِهـ بميآهـٍ دافِئةَ !
لَم يُنكِر آلفريْد, أنَّهُ لوهْلةٍ تخيَّل نفْسَهُ فِي ذلِك المكآنِ
حيْنَ كانَت عيْنآهُـ نصْفَ مُغْمَضتيْن!,
كيْفَ أنَّ الأمرَ آلتَبسَ عليْهِ فِي تمييزِ
صآحِب اليَدِ حيْنَ كانَت أمنيةٌ دفيْنةُ بدآخلِه أنْ يكُوَن هُوَ [ ريُو ]!
ولَم يُنكِر أيْضاً وهُو يتنآوُل ذلِكَ الطَّعامَ بهُدوءِ - آلآنَ - أنَّه
مآ عادَ يعْرِفُ كيْفَ يتصرًّفُ إزاءَ وجُودٍ شخْصٍ
يهْتمُّ لأمرِهـ بعْدَ كُلِّ هَذِه المُدَّة,
بعْدَ كُلِّ لحْظَةٍ عاشَها وحْدةً فِي بلادِ الغُربَةٍ تلآهَـآ
ألمُ الفقِد وقبْلُهآ ألَم آنقلابِ صديْقٍ إلَـى شيءِ آخَر !
ولَم ينْجَح فِي كبْتِ تنْهيَدةٍ عميْقةٍ تلتْهَا المزيْدُ مِن
الأفِكارِ, وَ وجْهٌ عادَ لـ يقرأَ تفآصيْلَهُ وكآنَ عُنوانُه فتاةٌ أيْقظَت
فِيه كُلَّ ذلِك بعْدَ عشْرِ سنواتْ !
***
- سيِّد آلفريْد, سيِّد آلفريْد هَل أنتَ بخيْر ؟!
سـ أطلُب سيَّارَة إسْعافٍ حالاً !
- لآ .. لآ أنآ بخيْر, أنآ.. أنآ أحـ حتاجُ الرَّاحَة فقَط,
إنَّها .. مُجرَّدُ حُمَّـى !
- حسناً, حسناً كمآ تشآءْ !
أطلَقتْها بُوجهٍ قلقٍ يُحاوُل إرِضاءَ الشَّخصِ الّذِي
يبْدُو فِي حالةٍ مُزريةٍ وهُو يُجاهِد الوقُوف .
تلآ ذلِك بضْعَ خُطواتٍ آرْتَكز فيْهآ علَى كتفيْهآ ثُمَّ رمَى بجسَدهـ
علَى تلْكَ الأريْكَة !
وحيْنَ همَّت بـ الانِصرآفِ لـ إحَضار مآ يُعيْنُهآ علَى
مسُآعَدتِه , أتَتْهآ جُملٌ أشْبَهُ بـ الهذَيان :
- عليَّ, أنْ .. أنْ أجِدهـ !, يجِبْ !
وآلتفَتتْ بفضُولٍ ثُمَّ رمَت بخيْطِ يقُودهآ للمزيْدِ مِن الجُمل :
- مآهُوَ ؟!
لكِنَّ الجسَد الّذِي كآنَ يتنفَّسُ بصعُوبةٍ ويرْتِجفُ
إذْ آرْتفَعت حرارَةُ جسَدِهـ كثيْراً أجابَها بالمزيْدِ مِن الألْغاز :
- الدَّلـيْل .. !
وغآبَ فِي نُومِ عميْق !
تارِكاً لمآرسيْل أن تستحِضَر هذَا المشْهَد , إلَى
جانبِ ما تلآهـ فِي الحافِلةِ الّتِي كآنَ
صمْتُها مواسيْاً لـ صَخبِ مشاعرَها
وضبّآبيَّةِ أحاسيْسِهآ ..
مآهُوَ ذلِكَ الدَّليْل ؟!
هَل كآنَ مُجرَّد هَذيْآن ؟!
مآذَا عَن .. عَن !
وصَمتْت أفكارُهآ وهِيَ تُلآمِسُ كفَّها لُوهلةِ ثُمَّ نَطقْت!
مآذَا عمَّا تلآ ذلِك ؟!
هَل يكُون هذَا هذَياناً أيْضاً ؟!
بـ نبْرةٍ تُجزِمُ أنَّ النَّفِيَ هُوَ الجوآبُ الصَّحيْح,
وأنَّ آلفريْد هذَا هُو عالمٌ جديْدٌ بالنِّسْبةِ لـ مآرسِيل !
عالمٌ مُفَعمٌ بالكثيْر
ولأنَّ المُفآجئَاتِ حسبمَا يبْدُو قَد قطَعتْ عَلى نفِسِها
عهْداً أنْ تكُونَ مِن نصيْبِ مارِسِيل فقَط فِيْ هذَا الْيُومِ فإنَّ دخُولَها
الهادِيءَ إلَى المنْزلِ قَد أشْغَل وآلِدَتها المُنفِعلَةَ عَن وصُولِهآ
إثَر مُكالمَةٍ آشَتعلَت للتَّو :
- قُلت لكَ أنَّنِي مُوآفِقةٌ علَى مآ طلَبت !
فلَم توبِّخُنِي الآنَ لأنَّنِي تأخَّرْتُ بـ الإجابَة !
قآلَتها وهِيَ تقْطَعُ غرَفة المعيْشةِ المُتواضِعةَ
جيْئةً وذَهاباً, ثُمَّ صرَّت علَى أسنانِها وهِيَ تُردِّد :
- ثُمَّ إنَّكَ لُو لَم تطْلُب ذلِكَ المبْلَغ الكبيْرَ
لكُنت أتيْتُ فِي وقْتٍ أبْكَر !,
فـ أنْتَ تعْلُم أنَّنِي حِذرَةٌ بـ شأنِ أموآلِي
وتنهَّدَت فجأةً كَمن توصَّل إلَى آتِّفاقٍ
يُنهِي شُحنَةَ غضِبهآ هذِه :
- آآآهـ .. حسناً, حسناً سيِّد جُون سـ نتقآبُل غداً,
مساءً فِي مكْتبِكْ, آهـ نعَم الرّآبعَة والنِّصْف
عصْراً لَن أتَّأخْر !
هُنآ فقَط آلتَمَعت عيْنآ مارسِيل,
فـ الأمرُ سـ يُكشَفُ أخيْراً وهُوَ رهْنٌ بـ حلُول الغَدِ فقَط
" فُرصَةٌ ذهبيَّةُ " قآدَها تأُّخرَها فِي النَّوِم لهَذا اليُومِ إليْهآ
ولكِي لآ تتْرُك لوآلِدتها أنْ تتِّشَح بالقَلِق
والَحذْر , فقَد بقِيت فِي مُوقِعها عنْدَ العتَبِة وأعادَت
فتْحَ البآبِ وإغلاقَهُ بقوَّةٍ هذِه المرَّة فِي إشارةٍ كاذِبةٍ إلَى أنَّ
عُودَتها إلَى المنْزلِ كآنَت الآن فقَط .
الأمرُ الّذِي آنطلَى علَى السَّيَدةِ ماريْ,
الِّتي خرَجت مِن غُرفةِ المعيْشَةِ مُردِّدَةً بآبْتسامةٍ مُتقَنة :
- آوهـ, مآرسْيل .. أهلاً بكِ لمآ
تأخَّرتِي هذَا اليُوم !؟
بيْنمآ بادلَتها مارسيل أخرَى هادِئَة :
- آسِفَة, مررْتُ بـ إحَدى صديْقاتِي
لـ تنآوُل العشآءْ !
وسَحبت ذآتَها بعْد حوارٍ قصيْرٍ إلَى نُومٍ وآهِمٍ
جَعلهآ تُركِّزُ علَى خُطَّةٍ مُحْكَمةٍ للَّحاقِ
بـ وآلِدَتِها يُومَ الغدْ !
***
صُوتُ مُوسيْقَى هآدِئَة, ثُمَّ مُذيْعٌ يتْلُو عبآرَاتِه
المُعتآدَةِ كُلَّ صبآح بـ نبْرَةٍ مُفعَمةٍ بالنَّشآط :
- صبآحُ الخيْرِ أعزَّائِي المُسْتَمِعيْن, إنّهُ يُوم الثُّلآثَاء يُومٌ مُفَعمٌ بـ صَخبِ
الّذَآهبِينَ إلَى أعمآلِهم, يُومٌ آخرٌ سعيْدٌ
بالنِّسبَةِ لـ طُلّآبِ المدآرِس إذْ يُمضِون
صباحاً لآ تُعكِّرهُـ أجوآءُ الدِّرآسَة,
فهآ نحْنُ الآنَ ننْقُل إلِيُكم مِن مُنتَجَعِ كُولِرآنسَ !,
بثَّ هذِه الحلَقَة إذْ يتوآفُد كثيْرٌ
مِن الطُّلآبِ إلَى هذآ المكآنِ ذِي الأجْوآءِ السَّاحِرَة بحْثاً عَـن .....
فتَح جُورْدآن عيِنيهِ ببُطءِ يحآوُل تحليْلَ الصَّوِت المُندفِع بقُرْبِه,
لكِنَّهُ آصطَدم بضُوءِ الشَّمِس القويِّ
وقَد آخترَق عيِنيه حيْنَ أزآحَ أحدُهم ستآئِرَ
الغُرْفَةِ المُسَدلة, مآ دفَعُه لـ
أنْ يرِميَ يدَهُـ فُوقَ عيِنيه لوهْلَةٍ ثُمَّ يُزيَحهآ وهُوَ يتسَآءَل :
- مـ مآ الأمَـر ؟! آيريْك !, أنْتَ مُزِعج !
لكِنَّ آيريْك كآنَ مُفْعماً بالنَّشآطِ إذْ لَم يأبَه
بـ كسَلِ جُورْدآن وردَّدَ وهُو يُرتِّبُ السَّتائِر :
- يآلَك مِن كسُول !, آسْتيَقظْ إنَّها التَّاسِعَة
وجَّهَ جُورْدَان نَظرَهُـ إلَى ساعَةِ جدارِ غُرفَتِه الذَّهبِي ورأَى
أخيْراً مصْدَر الصَّوِتِ أمآمَهُ إذْ كآنَ ذلِكَ برْنامَجاً صبَّاحيَّاً آختارَهـ آيريْك
بعشوآئيَّةٍ فقَط لـ آيْقآظِ شقيِقهِ,
ثُمَّ تسلَّلَ إلَى أذُنِه صُوت البآبِ يُطرَقُ تلآهـ آيريْك
الّذِي مضَى نحُوَهـ وعآدَ بعْدَ لحظاتٍ
لـ يدْفَع بالعرَبةِ المملُؤَةِ بالطَّعاِم إلَى شُرفَةِ
الغُرفَةِ الجميْلَةِ, هآدِئَةِ الألْوآن !
- هيَّآ , سيِّد جُورْدآن سـ نتنآوُل الإفْطارَ هُنآ اليُوم
تمِهيداً لـ الوصُول إلَى حديْقَةِ المنْزلِ فِيمآ بعْد !
لكِنَّ جُورْدآن كآنَ غارِقاً فِي تأمُّل آيريْك, وهُوَ يُرتِّبُ المائِدَة,
فُوقَ طآولَةٍ خشبيَّةِ اللَّونْ , حُولَهآ أصيْصَينِ مِن الورُودِ الملوَّنة,
جآلَ فِي خآطرِهـ أنَّ آيريْك يحآولُ
أنْ يُؤِّجلَ طرحَ الأسئَلِة الَّتِي تتوآتُر فِي
ذهِنه وأنُّه سعيْدٌ لـ سببٍ لآ يتطآبُق مَع كُونِه
جاهِلاً تمامَاً بمآ حَدث, فقَد آختَفْت حيْرَتُه نُوعاً مَّآ ! .
أزَاح جُورْدآن الغِطآءَ ببُطءْ, ومضَى نُحَو آلحمَّآمِ
ذِي البآبِ البُنِّي الصَّغِير فِي زآوَيةٍ بعيْدَةٍ مِن الغُرْفَة .
وكآنَ الأخْوآنِ بعْدَ لحظآتٍ مُتقآبلِين علَى شُرْفةٍ زيَّنَتهآ أشَّعُة
شمْسِ الصَّيْفِ الدَّافِئَة, ومآئِدةٌ مِن الأجبْآن والخُبزِ وقليْلٍ مِن اللَّحِم وكُوبيْنِ
مِن الحلِيْب إلَى جآنبِ إبريقٍ أبيَضٍ كسآئِر الأوآنِي المُوجُودَةِ بيْنُهمآ .
كآنَ جُورْدآن هآدِئَاً كمآ هُوَ حآلُه فِي اليُوميْنِ المآضييْن,
لَم يُغيٍّرِ مِن هيِئَتِه غيِّر الرّسميَّةِ إذْ حرَّم علِيه آيريْك أنْ يطأ الشَّرِكَة
لـ شهْرِ كآمِل, وآعِداً إيَّآهـُ بـ إحِضآرِ كُلِّ أعمآلِه
إلَى هُنآ إنْ هُوَ أحسَّ بالمَللْ !!
لكِنَّ جُورْدآن كآنَ هآدِئَاً بشْكلِ يُقلِقُ آيريْك, فلِمَ لَم يفْتِخر بزِّجه لـ جمآعَةِ
جيْمسِ فِي السِّجِن ؟! لِمَ لَمْ يذْكُر لهُ شيْئاً
عَن آنتِصآرِهـ العظيْمِ هذآ ؟! لِمَ يبْدُو منْزُوَع
الثِّقَة مسلُوبَ الكِبريآءْ !؟ كأنَّ هُنآك مَآ هُوَ
جاثِمٌ بيْنُه وبيْنَ رُوحِه الِّتي آعتادَ علِيهآ !!
غرِقَ آيريْك فِي تأمُّلِ شقِيقِه المشْغُول بتنآوُلِ الطَّعاِم مُتجآهِلاً
صحيْفةً بيْنَ يدِيه, فـ رفَع جُورْدآن رأسَهُ مُتسآئِلاً :
- مآبِك ؟!, لِمَ تنْظُر إليَّ هكَذآ ؟!
مدَّ آيريْك الصَّحيْفَة نُحَو أخِيه بعْدَ أن تنهَّد بعُمقٍ كمَن آتَّخَذ
قراراً مصيريَّاً, لـ يأخُذَها الأخيْرُ بـ برُودٍ ظآهريِّ !.
" مديْرُ قِسم الاسِتخبآرآت يُصرِّحُ أخيْراً :
" جمآعُة جيْمس لُورْكِين " فِي أيْدِينآ !
بعْدَ مُطآرَاداتٍ دآمَت لـ أكثَر مِن ثلاثِ سنوآتِ,
خآضَها جِهآزُ آستِخبارآتِ
المديِنَةِ وَ مرآكِزُ الشُّرطَةِ فِي محآولةٍ للقبِضِ
علَى وآحَدةٍ مِن أكْثَرِ عصَابَاتِ التَّزُوير
وتجآرَةِ المْمنُوعاتِ خَطراً, وآلَّتِي كآنَت تُعرَفْ بعصآبَة [ جِي آلْ ] ! .
كشَف لنآ مُديْرُ قِسم الاسِتخبآرآت الضآبِط
رُوبِنسُون عَن قبِضهُم علَى أفرآدِها وقآئِدَها
رُجلِ الأعْمآل : [ جيْمس لُورْكِين ] هذآ الأسبُوع....
"
ردَّدَ آيريْك بصبْرِ نآفذٍ لَم يسمَح لـ جُورْدآن بـ إكْمآلِ
قرآءَةِ المقآل :
- لِمَ لَم تفْخَر بهذآ النَّصرِ جُورْدآن ؟!
رفَع جُورْدآن رأسُه ببُطءِ, فـ آلتَقتْ عيْنآهُـ بـ آيريْك الّذَي
ألَقى عبآرَةً حآدَّةً أُخرَى :
- أمْ أنَّهُ لَم يكُن نصْرُكَ ؟!
وضَع جُورْدآن الصَّحيْفَة جآنِباً, وقَد تحجَّرَت كلِمآتُه وحَكم
علِيه الصَّمْتُ المُطبِقُ إذْ آكتفَى بالنَّظرِ إلَى مُحدِّثِه بـ برُودٍ شَديْد.
دفَع آيريْك لـ أنْ يتنهَّد ويرْمِي بعبارةٍ أخرَى :
- مآذَا حصَل ؟!, كيْفَ نجْوَت وقَد كآنَ
جهآزُ الاسِتخبارَاتِ هُنآك ؟!
- خرَجْتُ قبْلَ وصُولِهم !
قآلَها ببرُودٍ همَّ بعْدُهـ بـ آرِتشآفِ القلِيل مِن فُنجانِه لكنَّ
آيريْك أوقَفه بصُرآخِه :
- مآذَا تُظنُّنِي أحمَقاً ؟!, جُورْدآن مَن ساعَدك ؟!
كيْفَ تجآوَزت رِجآل جيِمس بعْد أنْ أطلُقوا علِيكَ النَّار ؟!
قآلَهآ آيريْك وقَد وقَف بآنفِعالً وأخَذ يزْفرُ بعُنفْ,
وَالدَّمُ يتدفَّقُ إلَى وجْهِه لـيمْنَحهُ المزيْدَ مِن حُمرَةِ الغَضْب,
تلْكَ الَّتِي أسكَنهآ جُورْدآن بقُولِه ببسآطَة :
- آلفرِيد !
- مآذَا ؟!
قآلَهآ آيريْك بكُلِّ مآ أُوتِيَ مِن آندِهاشِ,
وقَد آتسَّعَت عيْنآهُـ بشَّدِةٍ وآختَنقْت عبآرآتُه
إذْ ردَّدَ بتلعْثُم سبَبُه صدْمَةُ المُفآجئَة :
- مـ مآذَا قُلْت ؟!
وجلَس إلَى كُرسيِّهِ مِن جَديْدِ وكلِمآتُه
تنِدفُع بعشِوآئيَّة :
- ولِكن .. ولكِن كيْف ؟!
أعنِي لِمَ ؟! إنَّهُ ...!
- لقَد شبِعت!
قآلَها جُورْدآن وقَد مضَى , نحُوَ غُرفَتِه
بيْنمَآ آستحثَّهُ آيريْك علَى البقآءِ
حيْنَ طرَح سؤآلاً بسيْطاً :
- أيْن سَتذْهَب ؟!
فـ آتتْهُ الإجآبَةُ حيْنَ أخرَج جُورْدآن ملابِسُه ,
ومنْشَفتُه مُردِّداً :
- سـ آستِحم !
فـ صآحَ آيريْك مُحآولاً آيْقافَ آندِفاعِه إلَى
بآبِ الحمَّآم :
- الـجُـرْح... !
- سـ آغطِّيهِ بشيءٍ مَّآ !
وَ ألَجمَ الحِوآرَ بصُوِت آلبآبِ القوِّي وهُوَ يُغلِقُه
خلْفَهُ, إذْ ترَك لـ آيريْك المزيْدَ مِن الحيْرَةِ يحُدِّثُ بِهآ
نفْسُه هِذه المرَّة :
- آلفريْد رآيفِنز ؟!, بعْدَ كُلِّ هذِه السَّنوات !؟
وقبَع آيريْك بيْنَ حيرَةٍ كبيْرَةٍ يلفُّهآ صمْتُ وَحدِته,
إذْ رآحَ يُفتِّشُ بيْنَ زوايَا أفكآرِهـ عَن سَببِ هذآ التَّصرُف مِن شخْصٍ يعْلُم
أنَّ " جُورَدان قَتل ريُو " !, مِن شخْصٍ كآنَ ريُو يعِني لهُ كُلَّ عائِلَتِه .
وهُو ذآتُه مآ كآنَ جُورْدآن يَبْحثُ عَن
إجابَتِه خلال آنِسكَآبِ مآءِ المِرَشِّ المعَدِني فُوقُ جِسِمه
غيْرَ آبِهٍ بـ الجُرِح الّذِي يحِرُقه آنسِكابُ الميآهِـ البآرِدَةِ فُوقَهُ بهذآ الكمِّ الكثِيْف,
فـ جرُوح قلِبه الَّتِي آنفَتحت أقْوَى مِن جُرحٍ
بآتَتْ غُرزَهـ تتخلَّلُ بفعل جريآنِ الميآهـ .
كآنَ كُلُّ مآ يسكْنُ أذَنِيه وَ عقْلُه هُو سحآبُ الّذِكريَاتِ الكثيْفَ .
" - أنآ ؟! أنآ أنقْذُتكَ جُورْدآن وأنْتَ لَم تفْهَم
لكنَّكَ ستفْهَمُه فِي الوقْتِ المُنآسِب "
هُنآ فَقطْ وحيْنَ رآحَ صدَى تلِكَ العِبآرَةِ يُحلِّقُ بدآخلِ
ذكريآتِ جُورْدآن وبيْن سرآدِيب مآضِيه البعِيدْ, دَفعُه ذلِكَ لـ مُغآدَرةِ
حمَّامِه غيْر آبِه بـ صُوِت ريُو وهُوَ يرِنُّ في دآخلِه !
وَ بتلقآئيَّةٍ فقَط, مضَى نحُوَ دُرجٍ لَم يفْتَحُه مِن قَبْل, سَحبَ
مِنُه مآ آرتَجفْت يدآهُـ لوهْلةٍ حيْنَ لآمسَ أطرآفَه ..
كآنَت شآرَةً ذهبيَّةَ اللَّونْ نُقِشَ علِيهآ :
" جُورْدآن وآنسِفيد - عميْلُ آسِتخباراتٍ ذهبِّي "
كآنَت هديَّة عِيد ميلآدِهـ العشريْن, أوْ بالأحرَى ما آعتبرَهآ كذلِك,
بعْدَ أرْبَعِ سنوآتٍ مِن التَّدرِيب الّذَي خآضَهُ
برفْقَتِه هُوَ نحُوَ حُلمٍ بدَأ لـ يَغْتآلَ صدآقَتُهمآ.
كآنَت منصّةً رفيْعَةً بنُّيَة اللَّوَنِ خلْفهَآ شعارٌ
لـ أكاديميَّةٍ أمنيَّةِ, وقَف بيْنُهمآ رجلٌ
قرَأ عَنهُ الخبَر للتَّو : " آلضآبِط رُوبِنسُون " ,
كآنَ المكآنُ هادِئاً سآكِناً سكُونَاً بطْعَمِ ترقُّبِ الفرَحِ بكثيْرِ مِن الارِتِبآك,
كآنَ المتوآجِدُون فِي صفُوفٍ قصيْرَةٍ مُنتظِمَةٍ لآ تتجآوُز العشٍريَن فرْداً,
مآ علِقَ بذآكِرَة جُورْدآن مِن تلِكَ الوجُوِهـ
هُوَ : " ريُو " وهُو يرْمُقه بآبتِسامَةٍ
وآثِقةٍ فِي الصِّفِ الجانبِّي. مآ يتذَّكرُهـ مِن بيِن
خُطَبةِ [ الضّآبِط رُوبِنسُون ] هُو آسْمُه
وآسْمُ ريُو برآيسْ حيْنَ تنهآى إلَى سمِعه .
كآنَ يتذَّكرُ سيْرَهُـ بخطِّ مُستقِيم نحُوَ الضّآبِط لـ يُعلِّق
تلِكَ الشَّارَة, يتّذَكرُ آلتَفاتَتُه حيْنَ رأَى رُيُو يتْبَعُه إذْ جآءَ آسْمهُ التَّآلِي
لآسمه, حيْنَ آلتَقى الإثْنآنِ إذْ كآنَ أحدُهمآ ينْزلُ وآلآخرُ يصْعَدُ
تلِكَ الدَّرجاتِ القليْلَة .
تبآدلا آبتسامَة سريْعَةً وهُمآ يكْبِتآنِ صرخآتِ الفرَحِ الَّتِي
تعآلَت حآلَ خرُوجِهمآ مِن بوآبَّةِ الأكآديميَّة وهُمآ يُلِقيآنِ فِي الهوآءِ بُقبَّعَتِين
تُشِبه كثيْراً قُبَّعَة يرْتَديِهآ رِجآلُ الشُّرَطةِ
لُولآ أنَّ ألْوآنُهآ تُأكِّدُ آنتماءَهُمآ إلَى الاِستخبآرآت !
- لآ أصدِّق, آنتَهيْنآ أخيْراً !
قآلهَا ريُو وهُو يُرآقِبُ القُبَّعتيْنِ تطْفُوآنِ فُوقَ النَّهرِ السَّاكِن
تحْتَ جِسرْ أحَدِ أنْهارِ [ ترُوندْهآيِم ] تلِكَ المديْنَةُ النَّرويجيَّةُ السَّاحِرَة ..
تنفَّسَ جُورْدآن بعُمقٍ , ثُمَّ ردَّدَ وُهو يُرآقِبُ
مآ جذَب أنظآرَ ريُو :
- أتمَزحْ ؟! نحْنُ بدأنَآ للتَّو !!
وآنقَطعت تلِكَ الّذِكرَى الجميْلَة, حيْنَ
رآحَ صدَى عبآرَتِه الأخيْرَةِ يحآصُر جُدرآن قلِبهِ
ويمْنُع تدفُّقَ الدَّمِ عَبر شرآييِنهّ " نحْنُ بدأنَآ للتَّو !! " ..
رسَمت هِذ اللَّحْظَةُ علَى وجْهِ جُورْدآن آبتسامَةً سآخِرَة,
وضَع تلَك الشَّارَة بهُدوءْ ورآح ينْظُر إلَى آنعِكاسِ
جُورْدآن وآنسِفيْد " تآجِر المْمنُوعات "
الآن !, الّذِي رمَى كُلَّ شيءٍ خلْفَهُ وآرْتَدى
ثيآبَ منَحتْ قلْبُه سوادَاُ غآصَ
بهِ فِي ذلِكَ العآلَم .
***
يتْبَع . . . .