تُمْطِر السَّماءُ أحْزَاناً ,
تكْسُو { الثّلُوج} .. سعآدَة المديْنَةْ !
تلْكَ الَّتِي سلبْتَها معَكَ
{ حيْنَ ذهَبْت }
ريُـو .. إنَّنِيْ آفْتقِـدُكْ !
" آلْفَصْلُ السَّادِسْ : ذكْرَى وفآة ريُو برآيْس "
كآنَت تنْظُر بشُروْدٍ إلَى شَوارِعَ كسَآها البيَاضْ ,
إلَى حيَاةِ المديْنَةِ المُتوقِّفَةِ فـ الدِّراسَةُ مُعلَّقـةٌ اليُوْم !
لـذَا لآ حافِلاتْ ولآ صَخبْ , ولآ حتَّـى أبْوآقَاً تعْترِضُ طريْقَهَا
فقَط تلْكَ السيَّاراتُ آلَّتِي تُزيْحُ الثَّلْجَ لـ تكْشِفَ عَن رماديَّةِ
الطَّريْق المُمهَّد أمَامَها والّذِي أفْصَح بعْدَ دقآئِقَ
عَن سُورٍ قصيْر بلُونٍ أزْرَق قآتِم
وبابٍ آنتصَف السُورَ المُحيْطَ بمكانٍ وآسِع , كأنَّهُ يُبرْهِنُ علَى النِّهايَة
المُحتَّمَةِ لـ الجميْع ! ..
وأنَّ بيْنَ قبُورِهـ مُتَّسعاً لـ أيِّ مُغآدِرْ .
آفَاقَتْ ييرْمَـآ علَى صُوْتِ السَّائِق :
- آنسَتِي , لقَد وصلْنَـا !
نزلَتْ ببُطءْ , تجرُّ معَها أثْقالَ حُزْنٍ تجرَّعتْهُ واليُومَ يكُمِلُ سنتيْنِ
علَى آحْتلالِه لـ قلْبِها , ذلِك العاجِزَ عَن آلصَّمُود !
تجَاوزَت تلالَاً صغيْرَةً وأخيْراً , بيْنَ بضْعِ قبُورْ وصَلتْ حيْثُ
كُتِب : " ريُو برآيْس , 1987 - 2010 م"
آنحَنْت إلَى النُصْبِ أمَامَها لـتضَعَ الُورُودَ , تأمَّلتْ بيَاضَ الثَّلْجَ
الّذِي أخذَ يكْسُو وريْقاتِها فيرْسُمَ
صُورَةً جميْلَـة جعلتْهَا تبْتسِمُ بحُزْن قائِلـَة :
- مرَّ وقْتٌ طويْـل , ريـُو !
وآنْحدَرت دمُوعٌ لَمْ تكُن , لـ الحُزْنِ ولكِن كَآنَت أقْرَب لـ
آلآشْتيِاق لـ الاحْتيَـآجْ .. لـ مُقآوَمة شلَّالِ الذّكريَاتْ ,
ودفْنِ حُبٍّ لَم يكْتمِل
- أيْنَ أنْت ؟! أتعْلَم , طُرِّدُت مِنْ منْزلِي .. !
آبتسَمت : خالتِي لَم تكُن طيّبَة , ليْسَ فيْهَا جانبٌ جيِّد
كمـآ كُنْتَ تقُول لـِيْ !
تنهَّدَتْ وأكْملَـت :
ولكِن لآ تقْلَقْ , لقَد وجدَّتُ منْزلِاً وَ عملاً ,
أرأيْت ؟! أصْبَحْتُ أقْوَى !
توقَّفْت قليْلاً عَن الكلآم وأكْملَت بتردُّدْ :
ولكِنْ .. ولكنَّنِي آحْتاجُكْ ! , حقَّـاً ! آحْتاجُكَ الآنْ .. لآ
دائِماً , أنـآ .. أنَـا لَم يعُد لديَّ عائِـلَة الآنْ !
وآنْكسَت رأْسَها لتُلآمِس دُموعَها الَّتِي فآضَتْ بغزآرَةٍ
التُربَة الَّتِي آسنَدت عليْهَا يديْهَـا , كَان للـ اليأْس مِن كلِماتِها
نصيْب ولكِنَّ لـ الشُّوقِ بيْنَ طيَّاتِ حرُوفِها نصيْبٌ أكْبَـر .
لحَظاتٌ وإذْ بهَا تسْتجِمعُ قُوَاها الخائِرَة , نهَضتْ ببُطْء نفَضتْ
تُرْبَةً أكْسبَت فُسْتانَها الأسْوَد
لُوْنَاً باهْتاً آبتسَمت , نظَرتْ حُولَها عآدَت
لـ ترْمِي جُملَةً أخيْرَة :
- هذِه الحيَآة غريْبَـة , جمعْتْنَـا
مقْبَرةٌ لـ تُفرِّقنَـآ أُخـرَى !
وآلتفَتتْ عآئِدَةً لَـترَى شخْصـاً , كَانَ يقفُ بجُمودٍ خلْفَها تماماً
كيْف لَم أنْتبهِ إليْه ؟! , هكذَا سألَت
نفْسَها لـ وهْلَةٍ لكنَّها أدْركَت
أنَّ الأهَم هُو
مالّذِي جاءَ بهِ إلَى هُنـآ , آيريْك وآنْسفِيد ؟!
كَانتْ عيْنَـآ آيريْك تُعبِّرُ عَن دهْشَتِه لـ رُؤْيَةِ
ييرْمَـآ , وأشْيَاءَ أخْرَى لَم تتمكَّن مِن فهْمِهَا !
لذَا قالَت بآرْتباكٍ مُخْفيَـة أثَآر البُكاءِ علَى صُوتِهَا :
- سـ .. سيدْ إيريْك !
آسْتَدرَك الأخيْرُ أنَّ عليْهِ أنْ يُكْمِل الحَوارْ :
- أهْلاً , آنسَة ييرْمَـا !
عمَّت لحْظَةُ صمْتٍ لـ وهْلَة , تنحَّتْ بعْدَهـآ ييرْمَـا قائِلَةً :
- أأْنتَ تعْرِفُه ؟! , ريُو برآيْس !؟
نظَر إلَى القبْرِ الّذِي آفْصَحتْهُ الفتَآةُ قبْلَ لحَظات :
- آهـ .. نعْم !
أغمَض عيْنيِه وفتَحهُمَا فجْأةً مُبْتسِماً بهُدوءْ :
- صديْقٌ قديْـم!
وَضع الُورُودَ بهدُوءْ , وتوقَّفَ يتأمَّلُ القبْرَ
وفِي عيْنيه كلامٌ كثيْر وَ مشآعُر أكْثَر , ولكِن ولسبَبٍ
مَّـآ .. وقَفتْ ييرْمَـا تتأمَّلُ الماثِلَ أمَامَها ,
كَانَ آيريْك وآقِفاً بصَمْت , عيْنيِه تنْظُرآنِ مُبآشَرةً
إلَى مآ أمَامَه .. دآرَ بخُلْدِهـ الكثيْر ودَّ البُوْحَ بهِ ,
تمنًّـى لُو تخْرُج كلٍمَـةٌ وآحِدَة لتُبرِّرَ مـآ حَدثْ لكنَّ الصَّمْتَ
كَان يسُودْ أرْجآءَ رُوحِـه , يُحْكِم علَى كلِماتِه لـ تلُوذَ كُلُّ مشآعِرهـ
بالفـِرآر , فصخُبَهـآ لآ يسِعه ضيْقِ هذَآ الصَّمْت !
آلتفَت فجْأةً مُتنبِّهاً لـ ييرْمَا , لكنَّهـآ قالَتْ بآرْتباكْ :
- آهـْ ! , لَـم أقْصِد التَّطفُل! .. سـأُغاَدِرُ الآنْ !
ولكنَّها لَم تُكْمِل خُطوَتيْنَ , ليُوقِفَها صُوْتُ آيريْك :
- لحْظَـة !
آلتفَتتْ بآسْتغَرآب , ليُكِمل :
- الثَّلْجُ لآ زالَ يتسآقَطْ , سأُوْصِلُكِ !
لحَظآتٌ لتجْمَع الاثْنَيْنِ سيَّـآرةٌ سآدَ فيْهَا الصَّمْت , نظَرتْ
ييرْمَـا إلَى السَّيآرَةِ الفآخِرَة , ولكنَّ تسآؤُلاتِها منعتْهَا مِن
التَّرْكيِز فيْمَ كاَنتْ تَنْظُر ..
كَانْت تجِدُ فِي طرْحِ سُؤآلِهَا وقآحَةً
لكنَّ فضُوَلهَا كَان يُؤيِّد ذلِك ,
لـسببٍ مَّـآ لذَا قالَـت بتهْذِيب :
- سيِّد آيريْك ؟ هَل تسْمَحُ لـيْ بسُؤآلِكْ .. ؟!
كَآنَ آيريْك يعْرِفُ سُؤآلَها لكنَّهُ قآلَ برُوتيِّنيَة:
- مَـآذَا ؟!
- كيْفَ تعْرِفُ ريُو !؟
آلتفَتَ إليْهَا لـ وهْلَـة :
- صديْقٌ قديْم ! , كَان صديْقاً لـ عائَلتِي ولكِن لَم
تكُن بيْنَنا علآقَةٌ قويَّة !
وعآد يُركِّز علَى المقْوَدِ بيْنَ يديْهِ , ولكَّن
ذلِكَ لَم يمْنَعْهُ مِن أنْ يتسآءَل :
- وأنْتِ ؟! , آعْنِي كيْفَ تعْرفيْنَ ريُو ؟!
ولكنَّ حوآرِهُمَا قُطِع إثْرَ وصُولِهمَا إلَى نُقْطَةٍ
مسْدُوَدهـ فِي نهايَةِ الطَّريْق, فتَح آيريْك نآفِذَتهُ مُتسآئِلاً
لـ أحِد العامليْنَ بزيِّ أصْفَر والّذِي كَان يفْرِدُ
شريْطَاً بلُونٍ بُرْتقَاِليْ :
- مآ الأمْرُ ؟! مالّذِي يحْصُل ؟!
آقترَب الرَّجُل مِن نآفِذَتهِ قائِلاً :
- الطُرق مسْدُودَةٌ بسبَبِ الثُّلوْج ! ,
آسْلُكَا المُنْعطَف الأيْمَن !
وأخذَ يُلوِّح بشآرتِه إلَى بآقِي السَّيارَاتِ ,
لينْعِطفَ الجميْعُ حيْثٌ يُشيْرْ !
- هذِه مُشْكلَة , لآ يُوجَد مخْرَج !
قالَها آيريْك وهُو ينْظُر إلَى مآ أمَامهُ حيْثُ كانَ
يعاَكِسُ طريْقهُمَا الّذِي أرَادا أنْ يسْلُكَآهـ لذَا ردَّدتْ ييرْمَـآ :
- لآ بـأسْ , سأنْزِلُ هُنَا ليْسَ عليْكَ أنْ
تتأخَّـر لـ أجْلِ ذلِكْ !
لكنَّهُ هتفْ :
- يُوجَدُ مقْهَـى قريِبْ , سنْجلِسُ ريْثَمَا ينْتهُونَ
مِن إزَآحَـة الثُلوجْ !
- ولكِنْ !؟
آبتسَم آيريْك وهُو ينْعِطفُ أمَام رصيف آنتصَب
فُوقَهُ بنآءٌ بلُونٍ بُنيِّ .. كسَتْهُ نوافُذُ زُجاجيَّةٌ تكْشِفُ
خلْفَها عَن مكانٍ دافِيءٍ هادِيء ! .. وطَاولَاتٍ خشبيَّةِ صغيْرَة
تحلَّق حُولَها النَّآسُ لـ يأنسُوا بعبَق القهْوَةِ الدَّافِئَة
بعكْسِ الجُوِّ حُولَهم !
كَآن آيريْك وييرْمَـا قَد آختارَآ طاوَلةً قُرْبَ ,
إحْدَى النَّوافِذِ أيْضـاً ! , وجلَسآ مُتقابلِيْن لـ يتأمَّلا جُوَّ
المقْهَى هآدِيءَ المُوسيْقَـى ولكِنه لَم يخْلُو مِنَ الصخِبَ بسبَب آزْدحَام
النَّآسِ مِن حُولِهم ..
أخذَ آيريْك يُردِّدُ وهُو يُقلِّب قآئِمَة الطَّعآم :
- مَآذَا تَودِّيْنَ أنْ تشْرَبِي آنسَة ييرْمَـا ؟!
- آهـ , لآ بأسْ بقهوَةِ تُركيَّةِ سَوْدآءَ !
رفَع آيريْك نظَرهُـ قائِلاً :
- غريْب , آتُفضِّلينَهـا ؟!
- آهـ , نعَم أعْتقِدُ أنَّها فريْدَةٌ مِن نُوعِهَا !
- آهـ .. هكذَا إذَاً , أنَآ سآخُذ قهْوَة آيطاليَّةَ مَع
الكرآميْل !
وبيْنَما يمْتزُج عبَقُ القهْوَةِ التُركيَّة آلقويَّة ,
مَع رقَّـةِ رآئِحَةِ الكرآميْل المُنبْعثِ مِن القهْوَةِ الآيطاليَّة
المُعآكِسَة لـ مرآرَةِ الأولَـى .. كآنَ آيريْك يُكرِّرُ
سُؤالِه لـ ييرْمَـآ ولكِن بتردُدٍ
إذْ آضآفَ هذِه المرَّة :
- عُذْراً ولكِن ! , سمْعتُكِ مُصآدَفةً .. وأنْتِ
تقُوليْنَ أنَّكِ آلتقيْتِي بـ رُيو فِي مقْبَـرة ! فهَل لِي أنْ ..
أنْ آعِرَف ماِ هيَ علآقتُكِ بهْ ؟!
لكنَّ صمْتَ ييرْمَـآ الَّتِي آنْكسَت رأسَها مُحدِّقَةَ
إلَى كُوبِ قهْوَتِها آرْبكَه لـ يهتٍفْ :
- أعْنِي بالطَّبْع لسْتِ مُجْبرَةً علَى الإجآبَة !
آسـفٌ لـ سُؤآلِي
لكنَّهَا هتفَت :
- لآ .. لآ عليْك !
وآبتسَمت وهِي تُحرِّكُ سُكَّراً أضآفتْهُ للتُّو كأنَّهُ
سيُسآعِدُهـآ علَى تجرُّعِ مرآرَةِ مآ ستقُول :
- فِي آلوآقِع ! , كَان ذلِك حيْنَ وفآةِ والديْ
كَانتْ تلِكَ أوَّل مرَّةِ أُقآبِلُ فيْهَـآ ريُو لذَلِك قُلتُ ذلِك
ونظَرتْ أخيْراً لـ عينيَّ آيريْك وهِيَ تقُول :
- أعنِي , عجيبٌ أنْ يجْمعَ ذآتُ المكانِ شخْصيِن
ويُفرِّقهُمـآ فجْـأةً , فقَد كآنَ ريُو حقَّـاَ .. صديْقاَ رآئِعاً
- صديْق ؟! آهـ .. ظَننْتُه أقْرَب
مِن ذلِكَ !
لكنَّ ييرْمَـآ آرْتبَكتْ وكأنَّها تذكَّرتْ
شيْئاً مآ , فَلم يخْفَـى علَى آيريْك آرْتباكُهـآ المُتمثُل
فِي تجرُعِهـآ لـ القهْوَة فجْأةً رُغْمَ شدَّةِ سخُونَتِها
ليقُول مُحدِّثاً ذآتَه :
لمَ آرتبكَت ؟!
يآ تُرَى !؟
آبتسَم وهُوَ يقُول : آسِف , اسْئلَتِي فضُوليَّة !
- لآ عليْك , أنَـآ أيْضاً كُنتُ فُضوليَّة
معَك اليُوَم ! , لذَا نحْنُ مُتعادِلآنْ !
ومضَى آيريْك يُغيّرُ المُوضوعَ بقٌولِه بآبتسَامَة :
- ولكِنَّنِي أخْشَى أنَّنا لسْنَا كذلِك , فلآ زِلْتُ
أديْنُ لكِ بآعْتذَارٍ حقيقيِّ بعْدَ ما فعلَهُ أؤلئِكَ الحمْقَى
لكِ فِي آلحفْلـَة
- آهـ , لآ عليْك .. حتَّـى أخِي ليُو نسِيَ
الأمْرَ تمـاماً !
- آهـ , إذَن كآنَ ذلِك شقيْقَكِ ؟!
- نعـَم .. لذَا ليْسَ عليْكَ أنْ تعْتذِر إنَّ
الأمْرَ كُلَّهُ مُجرِّدَ مُصآدفَةٍ بائِسَهْ !
ضحِكَ آيريْك قائِلاً: مآذَا ؟! , مُصآدفَةٌ بآئِسَه ؟!
هذِه أوَّلُ مرَّةٍ أسْمَعُ بهَا بشْيءٍ كهذَا !
آبتسَمت ييرْمَـآ بمرَح : آهـ , أمَّا
أنَـآ فتْحدثُ فِي حياتِي
الكثيْرُ مِن الصُدَفِ البآئِسَه !
ونظَرَآ فجْأةً إلَى حيْثُ آختَرقَ شُعاعُ الشَّمْسِ
النَّافِذَة بجانبِهِما , كَانت ييرْمَـآ سعيْدَةً برُؤيَة خيُوطِ
الشَّمْس تنْشُر خصُلآتِها الذّهبيَّة علَى زُجاج النّافِذَة
كمَآ كَان آيريْك ينْظرُ بآبْتسَـامَة ولكنَّهُ فجأةً محاَهـآ حيْنَ
وجَّه بصُرهـ نحُوَ ييرْمَـآ لـ وهْلَةٍ .. فلـ لحْظَةٍ فقَطْ !
لمَح بيْنَ ملامِحَهَا آبْتسَامَـة ريُو!
قطَعتْ ييرْمَـا حبْلَ أفْكارِهـ , بقُولٍها :
- لقَد توقَّف الثّلْجُ آخيْراً !
ونظَرت إلَى سآعتِها قائِلَـةً :
- أخْشَـى أنَّ عليَّ الذّهابَ الآنْ !
وقَف آيريْك حيْنَ وقَفت مُلْتقِطَة
معْطفَها وهُوَ يقُول :
- لحْظَة دعيْنِي أوْصلِك !
آبتسَمت قائِلَـة: إنّهُ قريْبٌ مِن هُنـآ
لَن أعطّلَك أكْثَر , شُكراً لَك القهْوَة لذيْذَةُ أيْضاً
أظُنُّنِي مديْنَـة لكَ بواحِدَةٍ الآنْ !
آبتسَم قائِلاً :
- لآ لسْتِ كذلِك , حسنَـا .. أتمنَّى أنْ
أرآكِ لآ حِقاً !
مضَت مُلوَّحَةً وهِي تُردِّد :
- سأسْعَدُ بذلِك , شُكراً لكَ .. إلَى اللِّقآءْ !
- إلَى اللِّقآءْ !
قالَها وعآدَ ليجْلِسَ علَى مقْعَدِهـ
بهُدُوءْ , فقَد أحسَّ نُوعاً مّـا بـ شعُورٍ دفَعهُ
رُغْمَ كُلِّ شَـيءٍ لـ آلابْتسَام بتلْقآئيَّـة
كـ ييرْمَـا الَّتِي كآنَت تسيْرُ , نحُوَ
وجْهِتهَا والعديْد مِن الأفْكارِ تمْلأُ رأْسَها
هذَا غريْب ..!
بدَآ مُخْتلِفاً تماماً , عَن الحفْلَـة !
***
وصلْتُ أخيْراً .. !
نَظرتْ إلَى الورقَةِ بعْدَ أنْ قالتْ جُملَتها هذِه
مُكرَّرةَ قرآءَة ما كُتِب فيْهَـآ :
" السّيْدَة شيْلاَ كلآرْس , محُل سُويْت لـ الهدايَا علَى رأسِ
شارِع ستُوكلِم , تمَام الحادِيَة عشْرَة صباحاً يُوم الارْبِعاء "
كَآن متْجَرُ سُويْت لـ الهدآيَا , ذُو طرآزٍ عتيق مُميَّزٍ
يُعآكِسُ سآئِرَ المتآجِر مِن حُولِه وتلْكَ البنآيَات علَى الطِّرآزِ الحديْث
فقَط وجِد إلَى يميْنِه مكْتبَةٌ صغيْرَةٌ لبيْعِ الكُتبِ المُسْتعمَلة
وإلَى يسآرِهـ مبْنَى مكوَّن مِن طآبقيْن , بدآ أنَّ العُلوَّيَ منْهَـآ
مكْتَبٌ لـ مُحامٍ ميْسُورِ الحآلْ ! أمـآ الطآبقِ السُلفِيٌّ فكَآن جديْداً
ينْتَظرُ مَن يُعلِنُ آستئجآرَهـ لهُ ! .
لكنَّ كُلَّ ذلٍكَ لَم يلْفِت آنتبآهَـ ييرْمَـا , بعكْسِ المتْجَر
أمـآمَها .. والّذِي زُيِّنَ بأصيْصيْن مِن الزٌّهورِ وبآبٍ خشبيِّ عُلِّقَ
أعْلَآهـ جرَسٌ رماديُّ صغيْر , ولجَتْ إلَى
الدَّاخِل لـترَى ذآتَ الجمالِ
وتقليديَّة المتآجِر القديْمَةِ مِن الدَّآخِل , فورَقُ الجُدْرآنِ الجميْلُ
هذَا لَم يعُد يُسْتَخدُم أبدَاً .. كَحالِ نوعيَّة الأرْفُفِ الخشبيَّة هذِهـ !
فتدآخُل الحديْد مَع الخشَب شَيءٌ آعتَادَهُـ
النَّاسُ قبْلَ عشَرْ سنوآتٍ أوْ أكثَر
طاوَلةُ مُحاسبَةٍ أقْصَى اليسَآر , حَوت رفَّيْنِ زُجاجيَّيْن فِي الأوّل مِنْهُمَا
هَدايَا بسيْطَة والثآنِي تُحفٌ صغيْرَةٌ للبيْعِ أجْملَهُا
هُو دُمَـى الـمَاتْرِيُوشْكَا آلرُوسيَّة ,
وفُوقَ الطَّاوِلَة عُلْبَتيْن جميْلَتيْن
الأولَـى حَوت بطآقَاتٍ كُتِبَ عليْهَآ آسْمُ المحلِّ ورقْمُ هآتفِه والأخُرَى
حَوت بطآقَآتٍ مُخْتلَفةٍ تُسْتَخدُم لـ مُنآسبَاتٍ مُتعدِّدَة .. إلَى جآنبِ
جهآز المُحآسبَة والهاتفِ
تُحفٌ للزيَّنِة فِي كُلِّ مكَآن , مصَآبيْحُ زُيِّنَت
بشرآئِطَ مُلوَّنَـة , وبآبٌ إلَى اليميْن كُتبَ
عليْهِ لـ المُوظَّفيْنَ فقَط !
خَرَجت بعْدَ لحظاتٍ مِن آلبابْ , آمرأةٌ فِي الثآلِثَةِ والثَّلاثيْنَ
مِن عُمْرِهـآ , تحْمِلُ آبْتسَامَةً شآبَّـة خلْفَها وجْهٌ عفُويٌّ وملآمِحُ
بريْئَةٌ مُتآنِسبَةٍ مَع صفآءِ عيْنيْهَـآ دآكنَتِي الزُرْقَة كَآنَت ترْتدِي
زيَّـا رسميَّاً بسيْطَاً لَم يتعدَّى قميْصَاً أبْيَض بسُترَةٍ رماديَّةٍ
وتنُّورَةٍ بـذآتِ اللُوِن وقَد رفَعت شعْرَهـآ البُنيَّ عالِياً ..
آبتسَمت قآئِلَةً : آسفَةٌ لـ تأخُرِي , أهلاً
بكِ يآ آنِسَـة
مدَّت ييرْمَـآ يدَهـآ مُصآفِحَةً :
أنآ الَّتِي قدَّمُت طلَباً لـ العمَلْ !
وجَهتِ المرْأةُ نظَرهـآ نحُوَ السَّآعةِ
إلَى يسآرِهـآ وِهي تُصآفِحُ ييرْمَـآ قآئِلَةٍ :
آوْهـ .. ! إنَّهـآ الحادِيَة عشْرَة ,
أنْتِ دقيْقَةٌ جدَّاً
ثُم آبتسَمت قآئِلَـة :
أنـآ شيّلآ كلآرْس , وآنْتِ ؟!
- ييرْمَـآ , ييرْمَا بآكْستِر
- أهْلاً بكِ .. حسَناً حيْثُ أنَّنا , آتفقْنَا
مُسْبقـاً فالأمْرُ الآنَ وآضِح
قالتْهَـآ وهِي تُشيْرُ إلَى أرْجَآء
المَحل : عملُكِ هُوَ المُحآسبَةُ ومُسآعدَتِي
فِي ترْتيْبِ المتْجَر
آبتسَمتْ قآئِلَة : حسَنـاً , وِلكن مآذَا
عَن الوقْت ؟!
- آهـ , إنَّه مِن آلخامْسَة حتَّى الثآمِنَة
والنِّصْف مسَآءً أيّ أنَّنِي سأقُوم بآفْتِتاحِ المْتَجر
وأنْتِ ستُغْلقيْنَهْ !
تنهَّدتْ وهِيَ تقُولْ : أمَّا يُوْمَ العُطْلَةِ
فهُوَ مِن التَّاسَعةِ صباحاً وحتَّى الثآلِثَة عصْراً ,
هَل يُنآسبُكِ ذلِك ؟!
- آهـ , بالتَّأكيْد .. شُكراً لـكِ
- حسنَـاً , والأجْرُ سيكُون كمَآ آتَّفقْنَا تماماً !
ومضَى آتِّفآقُ ييرْمَـآ والآنسَةُ
اللَّطيْفَـة شيلّا كلآرْس , بشكْلٍ سلِس .. لـيْنتهِيَ
الأمْرُ بييرْمَـآ سعيْدَةً وهِيَ تخْطُو خارِجَ المتْجَر
بآبْتسَامةٍ حاملَةً شعُوراً بالأمآنِ المادِّيْ أخيْراً
آرْتفَع صُوْتٌ مألُوفٌ صآدِرٌ مِن , حقيْبَتِها
الصّغيْرَةِ لـتُميَّزَ أخيْراً مصْدَرُهـ وهُوَ هاتفُهَا الخلْيَويّ
لذَا رفَعت يدَهـآ مُجيْبَـةً :
- أهلاً , ليُو
لكنَّ الأخيْرَ كآنَ مُتهكٍّماً ,
إذْ أرْدَف :
آتَّصلْتُ بمنْزِل الخآلَةِ مآرْي للآطْمئِنانِ عليْكِ
, ولكِنّها قالَت إنَّكِ لَم تعُدِي تعيْشيْنَ مَعهُم .. ما الأمْرُ
ييرْمَـآ , لمَآ لَم تُخْبريِني بأنَّها طرَدتْكِ ؟!
- آهـ .. ليُو , أنَا بخيْر ,
حقَّـاً
أتَى صُوته مُقآطِعاً : بخيْر ؟!
أيُّ خيْرٌ هذَا لشخْص ليْسَ لديْهِ منْزِل ! أيْنَ
أنْتِ ؟ لدَى آيملِي ؟!
- لآ .. وجدَّتُ غُرْفَةً وعملاً
- والمدْرَسة لآ تقُولِي لِي أنَّكِ ... !
قاطعتْهُ ييرْمَا هذِه المرَّة :
لَآ لَم أتْرُكَها , آطمئِنْ ليُو .. أنآ بخيْر
قالَت عبآرتْهَا بثقَةٍ , ونبْرَةٍ
لَم تحْمِل حُزْناً كبيْراً ليقُولَ ليُو بآسْتغَرآب :
حسناً , ولكِن أرُيْدُ رؤْيَتكِ قريْباً
وقريْباً يعنِي غدَاً أو هذَا المسَآءْ لذَا أعْطنِي
العُنْوآنَ وتُوقَّعِي بشدَّة أنَّنِي سأٌفاجِئُكِ فِي أيَّةِ لحْظَـة
- هههـ .. حسناً , سأنْتظِرُكِ !
وأغْلَقت هاتفَها بعْدَ أنْ أنْهَت مُكالَمتْهَا
بالانْتِصارِ علَى مشآعِر شقيْقِها الغاضِبَةِ بنبْرَتِهَا
المُطمْئِنَةْ , آبتسَمتْ وهِي تتأمَّلُ الشُوآرِعَ حُوْلَها ..
وصَخبَ النآسِ مِن حُولِها وكأنَّ الحيَاة تتنفَّسُ الفَرح
بعْدَ أنْ آنْجلىَ غيْمُ هذَا الصبَّاحِ وجُوِ ثلُوجِه الحزيْنَةِ
آبتسَمت , رفَعت رأسْهَا لتنْعكِس
الشَّمْسُ علَى عيْنيْهَـآ :
- أنـآ الآنْ , بخيْر .. ريُو !
قالَتْهَا مُوآسيَةً لذآتِها , حيْنَ
همَّتْ بركُوبِ الحافِلَة .. فلَم يكُن فِي عزآءِ
آشْتياقِها لـ ريُو , سُوَى آنْ تقُولَ ذلِك
لِتُخفِّفَ وطأَةَ ذكْرَى هذَا اليُومِ علَى قلْبِهَـآ !
***
يتبْعَ . . . . .